تستثمر الحكومة المغربية تدفق روح الوحدة والتضامن الاجتماعي والدعم الشعبي في مواجهة هذه الأزمة، إلا أنها في حالة ما إذا فشلت في التخفيف بشكل فعال من الانعكاسات الصحية والاقتصادية لجائحة كوفيد-19، فإن روح التضامن والتعاون هذه لن تستمر طويلاً.
نشرت هذه المقالة من طرف تشاتام هاوس.
في المغرب، أدت جائحة كوفيد-19 إلى زيادة ثقة المواطنين بالحكومة، إلا أنه لا تزال تراودهم شكوك تتعلق بفعالية المنظومة الصحية. وبحسب دراسة حديثة أجراها المعهد المغربي لتحليل السياسات (MIPA)، فإن غالبية المغاربة الذين شملهم الاستطلاع راضون بشكل عام عن التدابير التي اتخذتها الحكومة لمحاربة فيروس كورونا. غير أن الاستطلاع ذاته أشار إلى أن المغاربة لا يثقون في قدرة القطاع الصحي على مواجهة هذه الجائحة.
تصدي الحكومة
يمكن تفسير التفاعل الإيجابي للمواطنين مع التدابير التي اتخذتها الحكومة بفضل التدابير المستعجلة والصارمة التي باشرتها منذ بداية تفشي هذا الوباء. فقد عقد الملك محمد السادس، في 17 مارس، جلسة عمل رفيعة المستوى مع رئيس الحكومة ووزير الصحة وكبار المسؤولين الأمنيين، وبعده بأيام قليلة أعلنت الحكومة المغربية، يوم 20 مارس، حالة الطوارئ الصحية وشرعت في تنفيذ تدابير صارمة لاحتواء الفيروس. وقد شمل ذلك إغلاق المطارات والمدارس والمساجد والمقاهي والمحلات التجارية – باستثناء أسواق المواد الغذائية – ومنع التجمعات الكبيرة، بالإضافة إلى إرشادات صارمة لضمان التباعد الاجتماعي. وإلى غاية 2 أبريل، تم اعتقال حوالي 5000 شخصا لخرقهم حالة الطوارئ الصحية.
ومن أجل تلبية الاحتياجات الطبية العاجلة والتخفيف من الأثر الاقتصادي للوباء، أمر الملك محمد السادس بإنشاء صندوق طوارئسمي بـ”الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كوفيد-19 ” والذي جمع أكثر من 32.7 مليار درهم مغربي (3.2 مليار دولار)،وستشرع وزارة المالية في إجراء التحويلات النقدية للمواطنين المتضررين، خاصة أولئك الذين فقدوا وظائفهم. كما سيتم تحديد الشروط والإجراءات المتعلقة بهذه التحويلات النقدية في الأسابيع المقبلة.
وتنشر وزارة الصحة المستجدات المتعلقة بالفيروس يوميًا على الرغم من الانتقادات المتزايدة لإستراتيجيتها في التواصل. وإلى حدود 4 أبريل، أكدت السلطات المغربية 883 حالة إصابة بالعدوى و58 حالة وفاة.
دعوة للوحدة الوطنية
وفي أوقات كهذه، هناك دعوة للوحدة من أجل مواجهة أزمة وطنية وعالمية، وضمن هذا السياق أعربت بعض جماعات المعارضة كجماعة العدل والإحسان ونشطاء حراك الريف عن دعمهم للتدابير الحكومية كما وشجعوا الناس على الالتزام بالإرشادات الجديدة.ولكن على الرغم من الدعوة للإفراج عن السجناء السياسيين، فإن السلطات المغربية لم تبد أية نية في أن تخطو هذه الخطوة. وتعتبر هذه فرصة ضائعة بالنسبة للدولة في علاقتها بالمعارضة لأنها يمكن أن تكون بمثابة وسيلة لتعزيز الوحدة الوطنية خلال الأزمة.
هذه كلها علامات واعدة تشير إلى ما قد يكون دفعة قصيرة المدى على مستوى تعزيز الوحدة والثقة المؤسساتية. غير أن نقاط الضعف المؤسساتية في الحوكمة والمنظومة الصحية لا تزال موجودة، ولهذا السبب يجب أن تؤخذ هذه الزيادة في الثقة المؤسساتية باحتراز.
ثقة الرأي العام
تشكل هذه الجائحة تحديات هائلة للحكومات في جميع أنحاء العالم، وهذا ينطبق بشكل خاص على دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث لا يرضى المواطنون على الأداء الحكومي ولا يثقون في مؤسسات الدولة الرئيسية. فقد وجد استطلاع الباروميتر العربي لعام 2019 أن المغاربة لا يثقون في معظم المؤسسات السياسية في البلاد (لا سيما البرلمان والمجلس الحكومي) وأن مستوى الرضا عن أداء الحكومة لا يزال منخفضًا للغاية.
على صعيد قطاع الصحة العمومي، كما هو مبين في اثنين من استطلاعات المعهد المغربيلتحليل السياسات الأخيرة، فإن الثقة في المنظومة الصحية منخفضة جدًا كذلك؛ فحوالي ثلاثة أرباع من الذين شملهم الاستطلاع لا يثقون بالمستشفيات المغربية، مما يسلط الضوء على المشاكل الهيكلية العويصة في المنظومة الصحية. وفي الواقع، هناك فجوة عميقة بين الرعاية الصحية في القطاع الخاص ونظيرتها في القطاع العمومي، إضافة إلى صعوبة الولوج إلى مرافق الرعاية الصحية في المناطق القروية مقارنة بالمناطق الحضرية. فمعظم المستشفيات والأطباء في البلاد تقع في المناطق الحضرية الكبرى، حيث توجد المختبرات الثلاثة الوحيدة التي تتمتع بالقدرة على إجراء اختبار الكشف عن فيروس كورونا المستجد في الرباط والدار البيضاء، وذلك بالرغم من أن قدرة هذه المختبرات على إجراء الاختبارات محدودة جدًا.
وعلى غرار بلدان أخرى، من المحتمل أن يكون هناك نقص كبير في الأطباء والمعدات الطبية في جميع أنحاء المغرب. وصرحت وزارة المالية بأنه إلى حدود هذه الساعة فإن ملياري درهم من صندوق الطوارئ سيخصص لشراء معدات طبية كالأسرة وأجهزة التنفس الاصطناعي وأجهزة الكشف ومعدات الوقاية وأجهزة الفحص بالأشعة، إلا أن الجدول الزمني لا يزال غير واضح.
اقتصاد ضعيف
يوجد قلق كبير بشأن تأثير الفيروس على الاقتصاد المغربي على المدى المتوسط والطويل؛ فقد تضرر قطاعا الزراعة والسياحة بشدة وهما يعتبران القطاعين الاقتصاديين الرئيسيين في البلاد. فقد كان القطاع الزراعي يعاني أصلا هذه السنة نتيجة للجفاف، في حين أنه من المحتمل أن تؤثر جائحة فيروس كورونا على قطاع السياحة في المغرب ليس فحسب هذه السنة، بل حتى سنة 2021. أما من حيث التدابير الحكومية، فيعد صندوق الطوارئ بداية قوية، إلا أن الأسئلة المتعلقة بكيفية إدارة هذه الأموال لا زالت مطروحة.
وقد تأثرت الفئات الهشة من السكان بالأزمة الاقتصادية بسبب تضخم القطاع الغير مهيكل في البلاد – والذي يشغل معظم الناس – والقطاع الخاص ضعيف للغاية. والواقع أن ثلثا العاملينغير مندرجين ضمن خطة معاشات التقاعد، وما يقرب من نصف السكان العاملين لا يستفيدون حاليًا من التغطية الطبية كما لا يوجد نظام رعاية اجتماعية للفئات الهشة من السكان، مثل الأطفال والمسنين. وإلى حدود فاتح أبريل، فقد أكثر من 700.000 عامل وظائفهم.
المضي قدماً؟
وحتى إن كانت ردة فعل المواطنين، بخصوص الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، إيجابية في الوقت الحالي، فمن المرجح أن يكون ذلك اندفاعا قصير المدى لا ينبغي اعتباره أمرًا مسلمًا به على المدى البعيد. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة، فإن المنظومة الصحية المغربية غير مجهزة بما يكفي للتعامل مع هذه الأزمة. فحتى بوجود التدابير الجديدة التي تم تنفيذها، إذا خرج انتشار الفيروس عن السيطرة، فستكون هناك حاجة إلى المزيد من الموارد المالية والأطباء والمعدات، وبالنظر لنقاط الضعف الهيكلية للمنظومة الصحية، فإن هذه المعركة ستكون شاقة.
علاوة على ذلك، وحتى في حال تمكنت الحكومة من التخفيف من تأثير الفيروس على الصحة العامة، فإن العواقب الاقتصادية ستكون وخيمة – خاصة في قطاع السياحة – وستضر بشدة بالعاملين في القطاع الغير مهيكل الذين يعيشون بدون شبكات الأمان الاجتماعي. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الفئة تمثل معظم السكان العاملين في المغرب.
تسلط هذه الأزمة الضوء على أهمية معالجة الحكومة المغربية لملفات الإصلاحات غير المكتملة على وجه السرعة، ولا سيما في مجال الرعاية الصحية والاقتصاد وحقوق العمال. وحتى اللحظة، فإن الحكومة تستثمر روح الوحدة والتضامن الاجتماعي والدعم الشعبي. إن المسار المستقبلي للجائحة وفعالية الحوكمة سيحدد ما إذا كانت روح التضامن هذه ستستمر، وإذا فشلت الحكومة في تخفيف الآثار الصحية العامة والاقتصادية لهذا الوباء بشكل فعال، فلن يستمر هذا التضامن والتعاون طويلاً.
* ترجم هذا المقال من الإنجليزية
يمكن قراءة المقال الكامل على موقع "MIPA"