يشهد المصريّون، المعروفون في أرجاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باحتفالاتهم الطنّانة في شهر رمضان، شهرَ صيام أكثر هدوءاً هذه السنة. ولو كان غياب البهجة الضحيّة الوحيدة في زمن فيروس كورونا المستجدّ لكان الأمر مقبولاً. بيد أنّ التداعيات الاقتصادية والاجتماعية المتوقّعة مهولة.
التعامل مع الأزمة المزدوجة
وفي ما يخصّ مصر، يتوقّع تقرير البنك الدولي تراجعاً كبيراً في الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي ليصل إلى 3,7 في المئة، مقارنة بنموّ الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2019 البالغ 5,6 في المئة. ويشدّد خبراء البنك الدولي على الأزمان غير المؤكّدة المقبلة. وفي التقرير عينه، ساءت توقّعات انخفاض الناتج المحلّي الإجمالي المصري من 0,3 في المئة إلى 2,1- في المئة في غضون فترة أسبوعين فقط، من 19 مارس إلى 1 أبريل 2020. ويُعزى غياب النمو جزئياً إلى تراجع السياحة. وتأثّرت أيضاً تحويلات المصريين العاملين في الدول الخليجية، حيث أغلق فيروس كورونا المستجدّ مختلف أنواع الأعمال، ممّا أدى إلى تسريح هائل للعمّال.
قبل فيروس كورونا المستجدّ، غالباً ما طغت أوجهُ التحسّن البادية في الاقتصاد على القمع الشديد الذي مارسته حكومة الرئيس عبد الفتّاح السيسي، بما في ذلك الاعتقالات والتعذيب وحتّى قتل شخصيات من المعارضة. فقد أطلقت الحكومة المصرية برنامج إصلاح في العام 2016 اشتمل على تخفيض قيمة العملة والحدّ من الإعانات، وذلك كجزء من اتفاقية مع صندوق النقد الدولي. وأشادت كريستين لاغارد، المديرة العامة السابقة للصندوق، بالتقدّم الذي أحرزته مصر. فقالت في بيان في يناير 2019: “أصبح معدل النمو [في مصر] من أعلى المعدلات المسجلة في المنطقة، كما يسير عجز الميزانية في اتجاه هبوطي، والتضخم في طريقه لبلوغ الهدف الذي حدده البنك المركزي مع نهاية 2019”.
فإن اعتبرنا أنّ الغرب كان يغضّ الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها أحد أسوأ الأتوقراطيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جزئياً بسبب نجاحاته الاقتصادية وتشديده الخناق على الإخوان المسلمين، ماذا سيحدث الآن مع رسم فيروس كورونا المستجدّ مساراً اقتصادياً مستقبلياً قاتماً أكثر أمام السيسي؟ لقد تفادت حكومة السيسي العقاب على انتهاكاتها لحقوق الإنسان لأنّ الحكومات الغربية، من جديد، تفضّل القبول بالسلطوية عوضاً عن المخاطرة بمواجهة عدم الاستقرار.
ويبدو أنّ صندوق النقد الدولي سيُنجد مصر من جديد. فالمؤسّسات العالمية متحمّسة لإبقاء مصر مستقرّة لأنّها الدولة الأكثر اكتظاظاً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ودولة يعتبرها الغرب مهمّة على الصعيد الاستراتيجي، ومردّ ذلك جزئياً إلى أنّها مُتاخمة لإسرائيل. ويَعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل خاص السيسي حليفاً مهماً في الحرب على المجموعات المتطرّفة، على غرار تنظيمَي الدولة الإسلامية والقاعدة. ولطالما تأثّر صندوق النقد الدولي بسياسات واشنطن وغالباً ما يتردّد في اتّخاذ خطوات تُعارض هذه السياسات.
وبناء على طلب من مصر، أعلن صندوق النقد الدولي في أوائل مايو أنّه سيقدّم لمصر قرضاً بقيمة 2,7 مليار دولار للتعامل مع الركود الاقتصادي المتأتّي عن فيروس كورونا المستجدّ ولحماية احتياطاتها بالعملات الأجنبية. وفي 26 أبريل، أصدرت كريستالينا غورغييفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، بياناً قالت فيه: “كما حدث في كثير من بلدان العالم، تأثّر اقتصاد مصر بجائحة كوفيد-19، وما ارتبط بها من ركود اقتصادي، واضطراب في الأسواق المالية. وقد قام الرئيس السيسي وحكومته بتحرك عاجل وحاسم لمواجهتها، وذلك باتخاذ تدابير للحدّ من انتشارها وتقديم الدعم للمتضررين من الأفراد ومؤسسات الأعمال”.
هل الوضع الداخلي هادئ؟
بيد أنّ المجتمع المصري قد يصل إلى الخلاصة المناقضة. فأولاً، تبرز أدلّة دامغة على أنّ الحكومة تُقلّل من مدى تفشّي الفيروس. فقد طلبت مراسلة تابعة لصحيفة “ذا غارديان” البريطانية من علماء كنديّين أن يبحثوا في أمر تفشّي الفيروس في مصر، فقالوا إنّ معدّل الإصابة أعلى بكثير ممّا تقرّ به الحكومة. ونتيجة لهذا التقرير، خضعت هذه المراسلة لاستجواب من السلطات المصرية ثمّ فرّت من البلاد إلى ألمانياً خوفاً من احتمال زجّها في السجن.
ثانياً، يشكو المصريون العاديون من مستويات المعيشة السيئة، على الرغم من الإصلاحات التي أُطلقت مع صندوق النقد الدولي. فقد ارتفعت نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خطّ الفقر من 27,8 في المئة في السنة المالية 2015/2016 إلى 32,5 في المئة في السنة المالية 2017/2018، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. ويعني ذلك أنّ خطّ الفقر الوطني يبلغ 8827 جنيهاً مصرياً (534 دولاراً أمريكياً) في السنة. ولا شكّ في أنّ التراجع في الرواتب سيزيد مع إقفال الشركات بسبب فيروس كورونا المستجدّ.
ثالثاً، تعاني البلاد نقصاً في الجسم الطبيّ والتمريضيّ والإمدادات الطبّية، بعد أن ضغطت الجائحة على نظام الرعاية الصحّية بما يفوق قدراته. فبسبب الأجور الزهيدة، غادر الأطبّاءُ البلادَ بأعداد ملفتة، إذ غادر قرابة 10 آلاف طبيب/طبيبة من العام 2016 إلى العام 2019 فحسب. وتبعاً لتقديرات نقابة الأطباء في مصر، من أصل 220 ألف طبيب/طبيبة مسجّل يعمل نحو 120 ألفاً منهم خارج مصر. وينقص المستشفيات العمومية نحو 55 ألف ممرّض/ممرّضة. وتبعاً لموقع الباروميتر العربي، قالت نسبة 31 في المئة فقط من المصريين إنّها راضية عن الأداء الإجمالي لخدمة الرعاية الصحّية التي تقدّمها الحكومة في العام 2018/2019، بانخفاض 19 نقطة منذ العام 2010…
يمكن قراءة المقال الكامل على موقع "مركز بروكينجز"