تُشير موجة جديدة من الانتفاضات العربية إلى أن الصفقة التي بُنيت عليها الأنظمة السلطوية في الماضي آيلة ربما إلى السقوط.
فيما يستمر آلاف الجزائريين في التظاهر سلمياً للأسبوع الأربعين على التوالي، مطالبين بحكومة خاضعة إلى المساءلة وبالتخلص من الفساد، تشهد الشوارع في العراق ولبنان احتجاجات حاشدة ومواجهات مستمرة بين المواطنين الغاضبين وحكومتهما.
هذه التطورات كانت قد سبقتها في الأشهر الأخيرة انتفاضةٌ شعبية في السودان أطاحت الديكتاتور عمر البشير بعد فترة مديدة أمضاها في سدّة الحكم، وأفضت إلى قيام حكومة جديدة استناداً إلى اتفاق لتقاسم السلطة بين الجيش والمدنيين. وفي غضون ذلك، نظّم المواطنون في بلدان عربية أخرى، مثل الأردن ومصر، احتجاجات محدودة للتعبير عن مطالبهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
نزول المواطنين العرب من جديد إلى الشارع دفعَ إلى الواجهة السؤال عما إذا كنا نشهد موجة ثانية من انتفاضات 2011. في ذلك الوقت، تحرّك المواطنون في تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن والبحرين لإسقاط الحكّام السلطويين واللمطالبة بتغيير ديمقراطي وحكومات خاضعة إلى المساءلة. لكن وفيما خلا النجاح الذي حققته تونس في بناء إطار عمل دستوري وسياسي لتحقيق انتقال ديمقراطي في خضم الصعوبات الاقتصادية المتعاظمة، غرقت جميع البلدان العربية الأخرى في لجج الحرب الأهلية ودمار الدولة – كما في ليبيا وسورية واليمن – أو انزلقت مجدداً إلى الحكم القمعي بعد انفتاح سياسي وجيز – كما في مصر والبحرين.
النتائج الهزيلة التي حققتها انتفاضات 2011 دفعت تدريجاً باتجاه اندثار الأصوات الشعبية التي ارتفعت للمطالبة بالتغيير الديمقراطي ومساءلة الحكومات. وبحلول العام 2013، بدا أن الأكثريات في العالم العربي، التي خرجت جماعياً من ساحات الاحتجاج أو خاب أملها بسبب الحروب الأهلية والقمع، هي على استعداد من جديد للقبول بالصفقة السلطوية التي تعرضها عليها حكوماتها، أي الحصول على الغذاء والأمن مقابل الخضوع إلى حكّامٍ متفلّتين من المساءلة. وقد نجح ذلك سابقاً في كبح الاحتجاجات ونزع المشروعية عن المطالب السياسية السلمية عبر تصويرها بأنها تحمل بذور الفوضى والدمار.
ومنعاً لتكرار انتفاضات 2011، عمدت الحكومات العربية، ماعدا تونس، إلى إقرار قوانين جائرة تفرض قيوداً شديدة على حريات المواطنين، وأطلقت يد الأجهزة الأمنية على نطاق أوسع لإبقاء المجموعات المعارِضة والنشطاء المؤيّدين للديمقراطية تحت السيطرة. فضلاً عن ذلك، خصّصت الحكومات العربية مزيداً من الموارد، الشحيحة أصلاً في بلدانها، لمناصري الأنظمة الذين يشغلون أعلى المناصب في البيروقراطيات الحكومية الفاسدة، ولرجال الأعمال المحسوبين على تلك الأنظمة. كما استخدمت ترساناتها الإعلامية الضخمة لفرض عبادة الفرد المتمثّل بالحاكم – سواءً كان رئيس جمهورية أو ملكاً أو ولي عهد – وصُوِّر هؤلاء الحكّام وكأنهم المنقذون الوحيدون لدولهم.
لكن نحو أواخر العام 2018 وصولاً إلى الأشهر الأخيرة في العام 2019، بدأت الحكومات العربية تواجه، على نحوٍ غير متوقع، تحدّيات شعبية تعترض تطلعاتها إلى فرض سلام أوتوقراطي. فقد نزل المواطنون إلى الشارع في بلدانٍ لم تكن جزءاً من انتفاضات 2011، وطالبوا بالتغيير السياسي. واندلعت الاحتجاجات في السودان والجزائر والعراق ولبنان بدفعٍ من المشقّات الاقتصادية، والتقت شرائح واسعة من السكان في نظرتهم السلبية إلى التزام الحكومة بتحسين مستويات المعيشة ووضع حد للفساد.
يُشار إلى أن البلدان الأربعة المذكورة مدرَجة في قائمة الدول التي تعاني من فساد مستشرٍ بحسب مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية. وقد أظهرت استطلاعات الرأي العام التي أجرتها شبكة الباروميتر العربي في جامعة برنستون، أن التنمية الاقتصادية ومكافحة الفساد وتحسين نوعية الخدمات العامة هي المسائل الأكثر إلحاحاً في نظر أكثرية كبيرة من الأشخاص في هذه البلدان. هذا ماعبّر عنه 79 في المئة من السودانيين، و81 في المئة من الجزائريين، و56 في المئة من العراقيين، و73 في المئة من اللبنانيين. لقد فقدت المؤسسات الحكومية ثقة المواطنين بها. ووفقاً للبارومتر العربي، لايثق 70 في المئة من السودانيين بحكومتهم، فيما تصل النسبة إلى 90 في المئة في الجزائر، و87 في المئة في العراق، و81 في المئة في لبنان….
يمكنكم قراءة المقال الكامل من خلال الرابط.