ترجمة: علاء الدين أبو زينة
مصطفى أكيول* – (نيويورك تايمز) 23/12/2019
على مدى عقود، ناقش علماء الاجتماع الذين يدرسون الإسلام ما إذا كان هذا الدين، الثاني من حيث عدد الأتباع في العالم، سيخضع هو أيضاً إلى التحوّل الرئيسي الذي مرت به المسيحية، الديانة الأكثر أتباعاً: العلمنة. هل سيفقد الإسلام هو أيضاً هيمنته على الحياة العامة، ليصبح مجرد صوت بين مختلف الأصوات وليس الصوت السائد، في المجتمعات الإسلامية؟
أعطى الكثير من الغربيين إجابة سلبية، معتقدين أن الإسلام أكثر تصلباً وإطلاقية من إمكانية الخضوع للعلمنة. وأعطى العديد من المسلمين أيضاً إجابة سلبية -ولو أنهم فعلوا بفخر: إن إيماننا الحقيقي والصحيح لن يسير في ذلك الطريق الخاطئ الذي سلكه الغرب الملحد.
ويبدو أن ظهور الإسلاموية، وهي تفسير مسيّس إلى حد كبير للإسلام، منذ سبعينيات القرن الماضي، لم يؤكّد سوى الرأي نفسه: “الإسلام مقاوم للعلمنة”، كما لاحظ شادي حميد، المفكر البارز في الدين والسياسة، في كتابه الصادر في العام 2016، “الاستثنائية الإسلامية” Islamic Exceptionalism.
ومع ذلك، لا يوجد شيء في تاريخ البشرية غير قابل للتغيُّر. وهناك الآن علامات على ظهور موجة علمانية جديدة في العالم الإسلامي.
بعض هذه العلامات التقطها الباروميتر العربي، وهو شبكة بحثية مقرها في برينستون وجامعة ميشيغان، والذي ترسم مسوحات الرأي التي يجريها تحولاً بعيداً عن الإسلاموية -وحتى عن الإسلام نفسه. وتوصلت استطلاعات الرأي التي أجرتها الشبكة مؤخراً إلى أنه في الأعوام الخمسة الماضية، في ست دول عربية محورية، تراجعت “الثقة في الأحزاب الإسلامية” و”الثقة في الزعماء الدينيين”، فضلاً عن انخفاض نسبة ارتياد المساجد.
من المؤكد أن هذا الاتجاه ليس كبيراً جداً. فقد شكل العرب الذين يصفون أنفسهم بأنهم “غير متدينين” مجرد 8 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع في العام 2013، وارتفعت نسبتهم إلى 13 في المائة فقط في العام 2018. ولذلك ينصح بعض الخبراء في شؤون المنطقة، مثل هشام أ. هيلير، الباحث المصري البريطاني، بتوخي الحذر في التقديرات.
ومع ذلك، يعتقد آخرون، مثل المعلق المشهور لبناني المولد على شؤون الشرق الأوسط، كارل شارو، أن هناك شيئاً ما يحدث بالفعل. وقال معلقاً على الموجة العلمانية: “هذا صحيح إلى درجة معيّنة، ويمكنك أن تشعر به في أماكن كثيرة، بما في ذلك في الخليج. إنها بداية شيء سيستغرق وقتاً طويلاً”.
وما السبب؟ يقول السيد شارو: “إنها في الأساس السياسة الإسلاموية وبعض المظاهر الاجتماعية والسياسية للصحوة الإسلامية”. ويضيف أن هذه العوامل تشمل “خيبة الأمل من الإخوان المسلمين في مصر، والصدمة التي أحدثها ‘داعش’، والإجهاد الذي أصاب الناس من الأحزاب الطائفية في العراق ولبنان، والغضب من النظام الإسلامي في السودان”.
وعندما تغادر العالم العربي وتنظر إلى القوتين المهمتين القريبتين -إيران وتركيا- يمكنك أن ترى الاتجاه نفسه، وإنما على نطاق أوسع…