على مدار العقد الماضي، برزت الصين كقوة فاعلة رئيسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا سيماً من خلال مبادرة الحزام والطريق، ما ولّد في البداية مواقف إيجابية للغاية لدى الرأي العام تجاهها. إلّا أنّه مع تعمّق العلاقات ووضوح نطاق المشاركة، بدأت هذه النظرة الإيجابية تجاه الصين تتراجع تدريجياً.
إلّا أنّ الأشهر الأربعة عشر الماضية شهدت تحوّلاً كبيراً، إذ تعزّزت الآراء الداعمة للصين بشكل ملحوظ في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر 2023. ولم يأتِ هذا التغيير نتيجة جهود بذلتها الصين لتحسين صورتها، بل كان إلى حدّ كبير انعكاساً لنظرة سلبية متزايدة تجاه الولايات المتحدة، ما دفع الجماهير العربية إلى البحث عن بدائل، أبرزها الصين.
وعندما أطلقت إسرائيل حملتها العسكرية على غزة عقاب هجمات حماس في السابع من أكتوبر، أعلن الرئيس جو بايدن دعمه “القوي” لإسرائيل. ومع تزايد القصف على غزة، تزايدت المواقف السلبيةفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تجاه الولايات المتحدة. وصادف أنّ الباروميتر العربي كان يجري استطلاعاً في تونس في الأسابيع الثلاثة التي سبقت أحداث السابع من أكتوبر والأسابيع الثلاثة التي تلتها. وأظهرت النتائج أنّ نسبة التفضيل للولايات المتحدة في تونس انخفضت بشكل حاد من 40 في المئة قبل السابع من أكتوبرإلى 10 في المئة فقط بحلول الـ27 من الشهر نفسه، في حين ظلّت الآراء تجاه الصين مستقرّة نسبياً.وقد أكّدت استطلاعات الرأي التي أُجريت في الأشهر التالية استمرار الانخفاض في تفضيل الولايات المتحدة، حيث تراجعت نسب التأييد في الأردن وموريتانيا ولبنان والعراق بين 23 و7 نقاط مقارنة بما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر مباشرة. في المقابل، شهدت الصين ارتفاعاً في نسبة التأييد في هذه الدول تراوح بين 6 و16 نقطة، باستثناء موريتانيا التي لم تسجّل أي زيادة.
وتشير نتائج الاستطلاع إلى أنّ هذه الزيادة المفاجئة في تفضيل الصين لا تبدو مرتبطة مباشرة باستجابتها للصراع في غزّة. فقد تضمّنت الاستطلاعات التي أجراها الباروميتر العربي بعد السابع من أكتوبر، سؤالاً حول الدول التي يعتبرها المشاركون الأكثر التزاماً بالدفاع عن حقوق إسرائيل أو الفلسطينيين. وأظهرت النتائج أنّ ما لا يقل عن 60 في المئة من المشاركين في الدول المشمولة بالاستطلاع يعتبرون أنّ الولايات المتحدة ملتزمة بالدفاع عن حقوق إسرائيل، في حين لم تتجاوز نسبة من يعتبرون أنّ الصين ملتزمة بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين 14 في المئة كحدّ أقصى، في حين لم يعتبر أكثر من 13 في المئة أنّها ملتزمة بالدفاع عن حقوق إسرائيل. وعليه، اعتُبِرت الولايات المتحدة متحيّزة للغاية في هذا الصراع، في حين اعتُبِرت الصين فعلياً طرفاً محايداً.
ونظراً لتراجع وجهات النظر بشأن الصين بين العامين 2019 و2022، يتّضح أنّ الزيادة المفاجئة في الدعم لها يعود بشكل رئيسي إلى كونها المنافس الأبرز للولايات المتحدة. بعبارة أخرى، يتبنّى الجمهور العربي منطق “عدوّ عدوّي صديقي”. ومع مواصلة الصين تعزيز وجودها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من المتوقّع أن تحظى بترحيب شعبي أكبر. وعلى الرغم من انتشار الأنظمة السلطوية في المنطقة، تبقى آراء الجمهور العربي مؤثّرة في هذه المنافسة العالمية. وقد ينظر عدد من القادة إلى هذا الترحيب الشعبي باعتباره فرصة لا لتعزيز الاستثمار الأجنبي من الصين فحسب، بل أيضاً لتلبية تطلّعات مواطنيهم على هذا الصعيد. على سبيل المثال، شكّلت الزيارة الرسمية الأخيرة للرئيس شي جين بينغ إلى المغرب، الحليف التقليدي للولايات المتحدة، خطوة تاريخية باعتبارها الأولى من نوعها يقوم بها زعيم صيني، وجاءت في سياق تعزيز العلاقات بين البلدين. وتستفيد بكين من هذه المشاعر الشعبية الإيجابية في مختلف أنحاء المنطقة، وتسعى إلى استثمارها لتعزيز موقعها في إطار منافستها العالمية مع واشنطن.
يمكن قراءة المقال الكامل على موقع مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية