حتى قبل أن تكتمل لائحة التعيينات في الادارة الاميركية الجديدة، إنطلق الرئيس الاميركي جو بايدن، ومعه الفريق الذي اختاره بعناية، في رحلة التفاهم من جديد مع إيران. هي رحلة لا يمكن وضعها فقط في إطار التزام ما كان قد جرى التوافق حوله خلال مرحلة الحملات الانتخابية بين جون كيري ومحمد جواد ظريف، بل خصوصاً في إطار الاستراتيجية الاميركية العالمية، والتي كان قد أعلن عنها الرئيس الاسبق باراك اوباما خلال ولايته الرئاسية الاولى، وعنوانها: «احتواء التمدد الصيني».
الواضح أنّ ادارة بايدن بدأت تسابق الوقت للعودة الى الاتفاق النووي مع ايران لكن ليس بأي ثمن، فهي تَهدف في نهاية المطاف الى ترتيب الخريطة الجيوسياسية للشرق الاوسط بما يتلاءَم مع مصالحها في المنطقة، والأهم في إطار متطلبات احتواء القوة المتنامية للصين ولفترة زمنية قد تصل الى عدة عقود من الزمن. وكلما تأخرت واشنطن في وضع خطة الاحتواء موضع التنفيذ، كلما حققت بكين مزيداً من عوامل النجاح والقوة. فالوقت يعمل لمصلحة الصين لا العكس. وربما من هذه الزاوية تدرس طهران بشيء من «الدلال» العروض الاميركية الجديدة، مع عدم استبعاد إمرار «أوكسيجين» صيني للإيرانيين، بهدف الابطاء قدر الامكان من التفرغ الاميركي للمشكلات الكبرى للشرق الاوسط.
وبايدن، الخبير في السياسات الدولية، لا يُقارب الملف الايراني بسذاجة، لا بل على العكس هو يعمل على تطبيق سياسة «العصا والجزرة». وتنقل بعض المصادر انّ وزير الخارجية الاميركية انطوني بلينكن طلبَ من الديبلوماسي الاميركي المَرِن، والذي تم تعيينه مبعوثاً خاصاً لإيران، روبرت مالي أن يضمّ الى فريقه التفاوضي بعض الصقور. وهذا يعطي فكرة واضحة عن أسلوب التفاوض الذي سيحصل. فعدا القرار بإنهاء تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، في سعيه لإنهاء الحرب في اليمن، فلقد أعلن بايدن وقف الدعم الاميركي للعمليات الهجومية في اليمن في اول تحرك رسمي للسياسة الخارجية، وأرفَق ذلك بالاشارة الى تمسّك ادارته بحقوق الانسان في السعودية. وفي ذلك إشارة مبطّنة الى ملف مقتل جمال خاشقجي. ومع ايران أرسلت ادارة بايدن اولى الاشارات الايجابية مع التلويح بالسماح بوصول مساعدات مالية لإيران وضعتها في اطار ملف كورونا، وتستعد في المقابل لوسائل ضغط تتعلق بملفّي الصواريخ البالستية وساحة النفوذ. وفي نظرة سريعة، عاد النشاط الى «داعش» وانتعش الاكراد مجدداً، وهنالك مساحة تفاهم واسعة مع موسكو وعمليات امنية لإسرائيل، بالاضافة الى غارات في سوريا بَدت مختلفة عن النمط السابق…