لم يعرقل الأصل الفلسطيني للبروفيسورة أماني جمال، أو ارتداؤها الحجاب مدى حياتها المهنية، نجاحها لتصل إلى قمة الهرم الأكاديمي في مجال الشؤون الدولية.
واشنطن – ليس من الغريب أن يتبوأ أصحاب الأصول الأجنبية مناصب أكاديمية مرموقة في مجال الهندسة والتكنولوجيا والعلوم في كبريات الجامعات الأميركية، لكنه يبقى الاستثناء في مجال الدراسات الاجتماعية والشؤون الدولية.
ومنذ أسابيع، قبلت البروفيسورة أماني جمال العمل عميدة لكلية الشؤون العامة والدولية “إس بي آي إيه” (SPIA) بجامعة “برنستون” (Princeton)، إحدى أفضل الجامعات في العالم، ولتبدأ منذ الأول من سبتمبر/أيلول الماضي فصلا جديدا في حياتها المهنية الثرية.
وفي معرض الإعلان عن اختيارها لعمادة كلية الشؤون الدولية، قال كريستوفر إيسجروبر رئيس جامعة برنستون إن “أماني جمال هي عالمة سياسية بارعة، وزميلة جامعية رائعة، وقائدة تحظى باحترام أقرانها”، وعبر إيسجروبر عن سعادته بموافقتها على أن تكون العميد القادم لكلية برنستون للشؤون العامة والدولية.
ولم يعرقل الأصل الفلسطيني للبروفيسورة أماني جمال، أو ارتداؤها الزي الإسلامي (الحجاب) مدى حياتها المهنية، نجاحها لتصل إلى قمة الهرم الأكاديمي في مجال الشؤون الدولية.
وتحدثت الجزيرة نت مع البروفيسورة أماني جمال عن منصبها الجديد وحياتها المهنية ونشأتها الفلسطينية، مع إطلالة سريعة على حياتها العائلية.
وقالت البروفيسورة جمال “كأغلب العائلات العربية، رغب والداي أن اتجه لدراسة الطب أو الهندسة في بداية تعليمي الجامعي، وكان يعتريني الملل من هذه المواد، في الوقت ذاته انجذبت للعلوم السياسية، وحصلت على الدرجات النهائية في موادها، إلا أنني أدركت كذلك أنه لا يمكن التقدم والتميز فيها دون الاستمرار في الدراسات العليا وصولا لدرجة الدكتوراه”.
وذكرت البروفيسورة جمال للجزيرة نت أن والدتها “لم تتوقف عن القول إنه كان يجب أن أذهب إلى كلية الطب إلا مؤخرا بعد أن حصلت على منصبي الجديد”.
مسار وظيفي مميز
تعد جامعة برنستون من أرقي الجامعات الأميركية منذ تأسيسها عام 1746، ولا يخلو أي تصنيف لأفضل الجامعات في العالم من وجودها ضم الخمس الأوائل، وجاء ترتيب الجامعة الأول في تصنيفات الجامعات الأميركية عام 2020، وتفوقت على جامعات هارفارد (Harvard) وستانفورد (Stanford) وييل (Yale) وكولومبيا (Columbia) وإم آي تي (MIT).
تخرج من الجامعة الكثير من أعضاء الكونغرس والوزراء والسفراء الأميركيين، كما تخرج منها رئيسان حكما الولايات المتحدة، وهما جيمس ماديسون وودرو ويلسون، إضافة إلى 71 من الحاصلين على جوائز نوبل في مختلف التخصصات، و12 من قضاة المحكمة العليا الأميركية (3 منهم قضاة حاليون في المحكمة)، و8 وزراء خارجية و3 وزراء دفاع، كما تخرجت من الجامعة سيدة أميركا الأولى الأسبقة ميشيل أوباما.
وتضم كلية الشؤون العامة والدولية نخبة من الأستاذة من بينهم عدد من كبار المسؤولين السابقين مثل السفير الأميركي السابق لدى كل من مصر وإسرائيل دانيال كروتزر، ورئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق سلام فياض.
وقالت جمال للجزيرة نت “إنني أعمل بجامعة برنستون منذ عام 2003، وتدرجت في المناصب الأكاديمية بداية من أستاذ مساعد ثم أستاذ مشارك، إلى أن حصلت على درجة أستاذ عام 2013”.
وأشادت جمال بمناخ العمل والحرية الأكاديمية بجامعة برنستون، وأشارت إلى أنها تلقت الكثير من الدعم من الزملاء والطلاب في الجامعة.
وردا على سؤال حول الأهداف التي تطمح لتحقيقها في المنصب الجديد، ردت: بوصفي عميدة، سأكرس جهودي للحفاظ على سجل “إس بي آي إيه” القوي والمبهر في جذب أفضل أعضاء هيئات التدريس في العالم والاحتفاظ بهم. التميز الأكاديمي هو ركيزة أساسية للكلية وسأعمل على تعزيزه خلال فترة ولايتي.
وأشارت جمال إلى نيتها تركيز جهودها على 3 أهداف أساسية، وهي التنويع والتدويل والتأثير في النقاش المجتمعي حول القضايا العامة والدولية.
وأكدت البروفيسورة أماني جمال للجزيرة نت أن تدريب الجيل القادم من السياسيين هو الهدف الأساسي للكلية، وهو ما يتطلب التزاما بالتفوق الأكاديمي والتدريب العملي على أحدث السياسات.
“هدفنا تعزير مهمة إس بي آي إيه كمؤسسة مكرسة لحل مشاكل العالم، أنا ملتزمة بدعم البحوث القائمة على الأدلة العلمية، وتطوير المهارات والإستراتيجيات المهنية، وضمان أن كل طالب لديه الفرصة للمشاركة والتدريب العملي في مجال صنع السياسات”.
إضافة للمنصب المرموق، تدير البروفيسورة جمال مشروع البارومتر العربي الذي يقيس الرأي العام في العالم العربي تجاه أهم القضايا المحلية والإقليمية والدولية الهامة من خلال إجراء استطلاعات ذات مستوى عالٍ من الجودة والمصداقية منذ عام 2006.
وحتى اليوم تمت مقابلة أكثر من 75 ألف مستطلع عربي عبروا عن آرائهم حول الحوكمة والشؤون السياسية، والظروف الاقتصادية، وقضايا حقوق المرأة والمساواة، ودور الدين في المجتمع، والقضايا الدولية والإقليمية وغيرها.
فلسطين في القلب
ولدت أماني جمال في منطقة سان فرانسسكو بولاية كاليفورنيا لوالدين فلسطينيين نزحا للولايات المتحدة في بدايات ستينيات القرن الماضي، وأمضت طفولتها في شمال كاليفورنيا ثم في قضاء رام الله، ومثل أغلب المهاجرين تطلّع والدا جمال لادخار بعض المال لبناء بيت للعائلة في رام الله، وهو ما تحقق بعد عدة سنوات.
وذكرت البروفيسورة جمال “عندما كنت طفلة لم أكن أتحدث أية لغة عربية ولم أكن أعرف شيئا عن ديني. استيقظ والدي في يوم من الأيام وأدرك هذه الحقيقة، وقال لقد نجحت في الجانب الاقتصادي من القصة، لكن أطفالي لا يعرفون أي شيء عن تراثهم”.
ثم كانت العودة عام 1980 في العاشرة من العمر إلى فلسطين مع عائلتها، وتقول البروفيسورة جمال “رجعت العائلة إلى فلسطين حيث درست المرحلة المتوسطة والثانوية في مدينة رام الله، وخلال تلك الفترة عاصرت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وزاد وعيي بالحق الفلسطيني، وتعلمت أهمية الشأن العام والمسؤولية المجتمعية وأهمية الطموح بلا حدود”.
تتذكر أنه خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى قررت إسرائيل إغلاق جميع المدارس، “كنت في منتصف سنتي الدراسية الأخيرة في المدرسة الثانوية، في الأسابيع الأولى جلسنا في منازلنا، وكان لدينا أصدقاء كثيرون، وقضينا أوقاتا ممتعة، لكن أدركنا سريعا أننا لن نتخرج من المدرسة الثانوية، وبدأ المدرسون بتنظيم فصول في منازلهم، وكان عليك المرور عبر نقاط تفتيش للوصول إلى منازل المدرسين، إذا أوقفك الإسرائيليون ستقول إنك ذاهب للتسكع أو لتناول الطعام، وهكذا تخرجت من المدرسة الثانوية، وحتى تخرجنا من المدرسة الثانوية كان في صورة حفل تخرج أقيم في السر”.
ثم التحقت البروفيسورة أماني جمال بجامعة كاليفورنيا (University of California) في لوس أنجلوس حيث تخرجت عام 1993 وحصلت على درجة الماجستير ثم الدكتوراه في عام 2002 من قسم العلوم السياسية في جامعة ميشيغان (University of Michigan).
حجاب وعنصرية ونجاح
تقول البروفيسورة أماني جمال إنها ترتدي الحجاب منذ كان عمرها 18 عاما، وتعرضت لبعض المضايقات هنا وهناك خاصة مع انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا عقب وقوع هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
وتشير إلى أنه كان هناك سؤال متكرر حتى من بين الليبراليين لماذا ترتدي الحجاب؟ واعتبره البعض دليلا على تشددها، وتساءل آخرون عن حقوق المرأة واستغربوا أن ترتدي سيدة عربية مسلمة بمحض إرادتها الحجاب.
وتتذكر البروفيسورة جمال تعرضها لتمييز وعنصرية عندما تواصلت مع بروفيسور علوم سياسية شهير للتعبير عن رغبتها في دراسة الدكتوراه تحت إشرافه، إلا أنه رفض أن يقبلها في برنامجه، وقال إنه لا يحب أن يعمل مع طالبة متشددة بهذا الشكل.
وتشير إلى أنه بعد هجمات 11 سبتمبر، أدركت أن هناك الكثير من المفاهيم الخاطئة عن الشرق الأوسط والعرب والمسلمين، وتلك الفئة بأكملها التي تمثل “الآخر”، ومع الوقت تكتشف أنه عندما يتحدث الناس في الصف عن ذلك “الآخر” فإنهم يتحدثون عنك أنت.
وتقول البروفيسورة “سيقول الناس، أواه، أنت مختلف. أنت لست هذا النوع من المسلمين. أنت مسلم معتدل. وهذا ما يجسد الانقسام”.
وتضيف “في الغرب، أعتقد أن هناك الكثير من الخوف والشك. وجزء من ذلك الخوف والشك مدفوع بأحداث واقعية، إلا أن الكثير منه مدفوع بالخوف من المجهول”.
وللبروفيسورة أماني جمال إنتاج معرفي واسع سواء في صورة كتب أو أبحاث أو مقالات تحليلية في كبريات الدورات الأميركية، وحصلت على العديد من الجوائز والزمالات.
ففي عام 2004، عيّنت عضوا لمدة 5 سنوات في مجلس العلاقات الخارجية، وهي أيضا عضو في اللجنة الاستشارية للعلاقات بين الولايات المتحدة والمسلمين التابعة لمعهد الولايات المتحدة للسلام، وفي عام 2006 تم اختيار أماني جمال للحصول على لقب “باحثة كارنيغي” المرموقة، ثم تم انتخابها عضوا بالأكاديمية الأميركية للفنون والعلوم في عام 2020.
وبقي أن يدرك القارئ أن نجاح البروفيسورة أماني جمال جاء موازيا لنجاحها على المستوى العائلي، إذ لها 4 من الأبناء، كبيرتهم طبيبة ناجحة، وصغيرتهم تلميذة في المرحلة الثانوية، إضافة إلى عدد صغير من الأحفاد.
يمكن قراءة المقال الأصلي على موقع الجزيرة