في 2019 وبعد سنوات من الخمول، أعاد خروج المواطنين العرب إلى الشارع من جديد ظاهرة الانتفاضات الشعبية إلى الواجهة.
كانت النتائج الهزيلة التي حققتها انتفاضات 2011 قد دفعت تدريجاً باتجاه اندثار الحركات الاجتماعية والسياسية التي طالبت بالتغيير الديمقراطي ومساءلة الحكومات. وبحلول 2013، بدا أن الأكثريات في العالم العربي على استعداد للقبول بالصفقة السلطوية التي تعرضها عليها حكوماتها، أي الحصول على الغذاء والأمن مقابل الخضوع إلى حكّامٍ متفلّتين من المساءلة. ومنعاً لتكرار انتفاضات 2011، عمدت الحكومات العربية (ماعدا تونس) إلى إقرار قوانين جائرة تفرض قيوداً شديدة على حريات المواطنين، وأطلقت يد الأجهزة الأمنية على نطاق أوسع لإبقاء المجموعات المعارِضة والنشطاء المؤيّدين للديمقراطية تحت السيطرة. فضلاً عن ذلك، خصّصت الحكومات العربية المزيد والمزيد من الموارد الشحيحة لمناصري الأنظمة الذين يشغلون أعلى المناصب في البيروقراطيات الحكومية الفاسدة ولرجال الأعمال المحسوبين على تلك الأنظمة. كما استخدمت ترساناتها الإعلامية الضخمة لفرض عبادة الفرد المتمثّل بالحاكم ـ سواءً كان رئيس جمهورية أو ملكاً أو ولي عهد ـ وصُوِّر هؤلاء الحكّام وكأنهم المنقذون الوحيدون لدولهم.
غير أن 2019 شهد على نحوٍ غير متوقع مواجهة الحكومات العربية لتحدّيات شعبية تعترض تطلعاتها إلى فرض سلام أوتوقراطي. فقد خرج المواطنون إلى الشارع في بلدانٍ لم تكن جزءاً من انتفاضات 2011 وطالبوا بالتغيير السياسي. واندلعت الاحتجاجات في السودان والجزائر والعراق ولبنان بدفعٍ من المشقّات الاقتصادية والتقت شرائح واسعة من السكان في نظرتهم السلبية إلى التزام الحكومة بتحسين مستويات المعيشة ووضع حد للفساد.
يُشار إلى أن البلدان الأربعة المذكورة مدرَجة في قائمة الدول التي تعاني من فساد مستشرٍ حسب مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية. وقد أظهرت استطلاعات الرأي العام التي أجرتها شبكة الباروميتر العربي في جامعة برنستون، أن التنمية الاقتصادية ومكافحة الفساد وتحسين نوعية الخدمات العامة هي المسائل الأكثر إلحاحاً في نظر أكثرية كبيرة من الأشخاص في هذه البلدان. هذا ما عبّر عنه79 في المئة من السودانيين، و81 في المئة من الجزائريين، و56 في المئة من العراقيين، و73 في المئة من اللبنانيين. لقد فقدت المؤسسات الحكومية ثقة المواطنين بها….