مع موجة الاضطرابات الجديدة التي تجتاح الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن هذا يُذكرنا بأن رأي المواطنين العاديين مهم ويجب ألا يتم تجاهله.
انتهى الباروميتر العربي مؤخراً من أبحاثه الميدانية الخاصة باستطلاع بي بي سي عربي الكبير 2018/2019 وهو استطلاع الرأي الأكبر من نوعه والأوسع نطاقاً على الإطلاق، لمعرفة رأي الجمهور العربي في القضايا الهامة المؤثرة على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ما هي التوجهات الآخذة في التغير لدى المواطنين العاديين وبم تنبئنا عن مستقبل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ جلست مع أماني جمال المؤسسة المشاركة لدى الباروميتر العربي والمحققة الرئيسية للشبكة البحثية لمناقشة أحدث التوجهات.
أسيل العلائلي: عدم الاستقرار والاضطرابات تتجدد في المنطقة هذه الأيام، فما أهم شيء في تقديرك فيما يخص تنفيذ الدورة الخامسة من الباروميتر العربي في هذه المرحلة تحديداً بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ ولماذا تعد هذه المرحلة مهمة؟
د. أماني جمال: أن نكون في الميدان وأن نتمكن من توثيق مشاعر الجماهير في وقت زاخر بانعدام اليقين والاضطرابات في المنطقة، فهذا عمل هائل نشعر بالفخر البالغ لأننا نقوم به.
هو عمل مهم قطعاً لأن في لحظات عدم اليقين هذه لا يعرف الناس حقاً كيف يشعر المواطنين إزاء التغيرات الجارية، وما هي تفضيلاتهم الحقيقية نحو ما يفترض الناس أنها تفضيلاتهم. لذا، فمن المهم أن نتمكن من الانتقال إلى الأرض وأن نفهم ميدانياً مشاعرهم.
كما أننا نشهد في هذه الفترة زيادة ترسخ السلطوية. فالكثير من السياسات الخاصة بأنظمة بالمنطقة لا تعكس بالضرورة رغبة المواطن أو ما يحتاج إليه، لذا فالقدرة على توثيق الرأي العام للناس تصبح ذات أهمية خاصة.
العلائلي: بناء على نتائج استطلاعات الباروميتر العربي عبر مختلف الفترات الزمنية وفي الدول المختلفة، ما هي في تقديرك أبرز توجهات رأي المواطنين العرب؟
د. جمال: هناك شيء مثير للغاية في الدورة الخامسة للمشروع، وهو أنه أصبحت لدينا بيانات رأي عام لأكثر من 10 سنوات. كما تمكّنا من وضع أسئلة أكثر، بما يشمل القدرة على طرح أسئلة حساسة حول الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بالمنطقة.
عندما ننظر إلى بعض توجهات الرأي العام على مر الزمن، فسوف نرى أن هناك تحسن تراكمي وتدريجي في السلوكيات إزاء المساواة بين الجنسين، كما شهدنا تحسناً في رأي السكان من حيث الحريات السياسية ومحاولتهم تطبيق هذه المُثل على الأرض.
إلا أننا رأينا أيضاً بعض التوجهات المقلقة، مثل الدروس المستفادة من الربيع العربي. فالمواطن الآن يخشى أن تكون الديمقراطية عملية تؤدي إلى تزايد الاضطرابات وانعدام الاستقرار، ولقد رأينا هذا النمط في تونس. ورغم أن التزام الناس بالحريات ما زال قوياً، فإنني أعتقد أن الناس يسألون أنفسهم: هل وجود نظام أكثر ديمقراطية مسألة جيدة بالضرورة لحياتهم؟ الناس في المنطقة حذرون نحو الآثار المحتملة للتحرر السياسي.
وهناك نتيجة مؤسفة تتمثل في أن شريحة شبابية أكبر من أي وقت مضى تقول إنها ترغب في الهجرة من الدول العربية وأن تترك المنطقة بشكل نهائي. لقد رأينا هذا التوجه الآخذ في التصاعد، ولقد زاد كثيراً جداً منذ 2016. هذه النتيجة تُظهر أن الشباب يشعر بمحدودية فرصه في بلاده وبمحدودية الفرص الحياتية. ومع تفكيرهم في سؤال أين يمكنهم تحقيق أقصى نجاح ممكن، فقد توصلوا إلى نتيجة مفادها أن هذا النجاح يُرجح أن يتحقق بالعيش خارج المنطقة.
العلائلي: لماذا من المهم معرفة رأي المواطن العادي إزاء القضايا المهمة المؤثرة على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟
د. جمال: دون معرفة احتياجات ومخاوف المواطنين، لا يمكنك تصميم سياسات فعالة. لا يمكنك تشخيص بعض المشكلات. لا يمكنك الخروج بتوصيات إلا بعد فهم آراء المواطنين العاديين بصورة حقيقية.
والسبب الآخر في تقديري لأهمية فهم الرأي العام للمواطن العادي في العالم العربي، وهي أهمية بالغة، هو أن هناك الكثير من التصورات المغلوطة والتنميطات الخاطئة حول العرب والمسلمين بشكل عام. فاستطلاعاتنا تكشف عن تفضيلاتهم الحقيقية. لذا، يمكننا القول بدرجة كبيرة من الثقة ما الذي يؤمن به حقاً أبناء المنطقة، لا سيما لأن الكثير من هذه التنميطات السلبية تُشكل السياسات وتبصّرها، وهذه السياسات كثيراً ما تفاقم من الفهم المغلوط والتوترات والمشكلات الأخرى.
ثالثاً، فكِّري في الربيع العربي: لفترة طويلة ركّز المعلقون المعنيون بالشرق الأوسط حصراً على النُخب، إذ ظنوا أن جميع السياسات تنبع من الدولة ومن النُخب الأخرى. لكن ما أظهره لنا الربيع العربي هو أن هناك طبقة من المجتمع تحت هذه الطبقة مهمة للغاية، وإذا استمر تجاهلنا لهذا القطاع كما فعلت الأنظمة العربية، فسوف تخرج هذه الشرائح في النهاية وتثور لكي يتم الاستماع إلى طلباتها.
من ثم، فهذه هي أسباب قُرب هذا المشروع إلى قلبي. أشعر أنه ومع هذا التواجد للسلطوية، في منطقة شهدت عدة دول بها تراجع في الحريات، فإن الباروميتر العربي ما زال يعطي صوتاً للناس بشكل يسمح لنا بفهم المظالم والشكاوى القائمة والباقية. والأهم، أنه يتيح لنا قاعدة علميّة نوصّل من خلالها للأطراف الرئيسية اهتمامات المواطنين العاديين وشواغلهم.
وأخيراً، فإن هناك نحو 350 مليون مواطن ومواطنة بالمنطقة. الباروميتر العربي ليس إلا جزء صغير من الصورة القائمة لحياة هؤلاء المواطنين والمواطنات الشخصية اليومية، وليس المشروع إلا محاولة لبثّ جزء من هذه الصورة إلى جمهور أعرض. إن إتاحة الصوت لهؤلاء السكان – ونظراً للتحديات القائمة – لهو إنجاز هائل.
للمزيد من المعلومات عن الإستطلاع، إبحثوا عن BBCARABICSURVEY#
—
أسيل العلائلي هي مديرة قسم الإتصال والإعلام لدى الباروميتر العربي. لطلب إجراء مقابلة مع أحد الخبراء لدينا، يرجى التواصل مع أسيل العلائلي، عبر: aalayli@princeton.edu , +1(202)716-9068