ربما ليس التعليم كافياً لكنه ضروري
تُعد الفجوة الجندرية في قوة العمل عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من بين الفجوات الأكبر بأي منطقة في العالم. في استطلاع الباروميتر العربي الأخير، بلغ متوسط الفجوة بين الرجال والنساء الذين واللاتي أفادوا وأفدن بشغل وظيفة أكثر من 38 نقطة مئوية. يزيد هذا الفارق إلى أكثر من 43 نقطة مئوية إذا أخرجنا الكويت من حساب المتوسط.[1]
في الوقت نفسه، تحقق النساء عبر المنطقة من التعليم على المستويات فوق التعليم الثانوي معدلات مساوية لمعدلات الرجال وأعلى منها في بعض الحالات. طبقاً لأحدث بيانات متوفرة من البنك الدولي، فنسب المساواة الجندرية في التعليم العالي تبلغ معدلات أعلى من المتوسط العالمي في ست دول شملها استطلاع الباروميتر العربي في 2023-2024 (لا تتوفر بيانات من العراق حول هذه النقطة). موريتانيا هي البلد الوحيد ضمن استطلاع الباروميتر العربي الأخير التي تقل عن المتوسط العالمي. في تناقض صارخ، تتخلف كل الدول تقريباً عن المتوسط العالمي لمشاركة النساء في سوق العمل، بحسب بيانات البنك الدولي التي صدرت مؤخراً. الفارق بين المساواة الجندرية في التعليم على جانب والمساواة الجندرية في المشاركة بسوق العمل في المنطقة هو لغز قائم لا حل له في البحوث والدراسات حول الجندر والعمل.
الدراسات التي تتناول هذه المفارقة بالمنطقة تؤطر السؤال في صورة كونه سؤال استمرار الفجوة الجندرية في التوظيف، انطلاقاً من كونها ظاهرة تتعلق بالعرض والطلب، بالتركيز بقوة على جانب الطلب. يحاجج الباحثون بأن العرض من الكوادر البشرية النسائية المتعلمة جيداً يكفي وأكثر، لذا لا بد أن المشكلة تكمن في الطلب على العاملات والعاملين المتعلمين، مع ارتباط ضعف الطلب على تشغيل النساء بكونهن نساء. إن الدرجة الجامعية أو المهنية غير كافية للمرأة لكي تنجح في الانضمام إلى قوة العمل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
على ذلك، يُظهر استطلاع الباروميتر العربي الأخير أنه بينما لا تعد الدرجة الجامعية أو المهنية كافية، فالتعليم العالي ضروري كل الضرورة للمرأة لكي تشارك في قوة العمل. على امتداد الدول التي شملها الاستطلاع، هناك فارق بواقع 28 نقطة مئوية في المتوسط بين الحاصلات على التعليم الثانوي على الأٌقل والحاصلات على تعليم فوق الثانوي، وأفدن بأنه سبق لهن العمل. أصغر فارق نشهده في كل من تونس والمغرب، حيث النساء الحاصلات على تعليم أعلى من الثانوي يُرجح بواقع 18 نقطة مئوية أكثر أن يقلن بأنهن يعملن أو سبق لهن العمل، مقارنة بمن لم يحصلن على هذا المستوى من التعليم. على الجانب الآخر، هناك فارق بواقع 37 و36 نقطة مئوية في هذه المسألة (من يعملن أو سبق لهن العمل من الحاصلات على التعليم الثانوي فقط أو أقل والحاصلات على تعليم فوق الثانوي) في كل من العراق والأردن. على النقيض، هناك فارق بواقع 4 نقاط مئوية فقط في المتوسط في تاريخ التوظيف بين الرجال الحاصلين على تعليم فوق الثانوي والحاصلين على تعليم ثانوي فقط أو أقل.
ثمة أدلة أخرى مرتبطة بأهمية التعليم لمشاركة النساء في العمل نراها في النساء غير العاملات مقابل أجر حالياً. لدى سؤالهن إذا كن قد يفضلن الرجوع للعمل. في أغلب الدول التي شملها الاستطلاع، تقول نصف النساء على الأقل – ممن سبق لهن العمل – إنهن راغبات في العودة إلى العمل في المستقبل. من بين الدول الأربع التي بها حجم عينة كبير كفاية للتحليل، فالنساء من الحاصلات على تعليم أعلى من الثانوي يرجح أكثر من النساء الحاصلات على التعليم الثانوي فقط أو أقل – بواقع 37 نقطة مئوية في المغرب و34 نقطة في لبنان و31 نقطة في تونس و17 نقطة في الأردن – أن يعبرن عن رغبتهن في العودة للعمل في المستقبل.
النساء الحاصلات على مستويات تعليمية أعلى لا ينضممن فقط إلى سوق العمل بنسب أعلى مقارنة بالأقل تعليماً منهن، إنما أيضاً يرغبن أكثر في العودة للعمل بنسب أعلى من الفئات الأخرى من النساء الحاصلات على تعليم أقل. الوجه الآخر للعملة إذن هو أن النساء الأقل تعليماً لديهن احتمالات أقل في الانضمام إلى سوق العمل، وإذا كن قد عملن في الماضي حتى، فاحتمالات عودتهن للعمل أقل. الاختلافات الكبيرة في نسب مشاركة النساء في قوة العمل بحسب مستوى التعليم إذن تسلط الضوء على أهمية الاستمرار في تشجيع النساء على الالتحاق بالتعليم العالي. رغم أن تزايد نسب التحاق النساء بالتعليم لم تترجم بعد إلى زيادة مباشرة في مشاركة النساء في سوق العمل، فالتعليم يبقى عاملاً حاسماً في التحاق النساء بالعمل.
[1] الكويت دولة خليجية تتحرى منذ زمن طويل مقاربة مختلفة في ما يخص مشاركة النساء في القوة العاملة، وهي بوضوح لا تتبع نفس النمط الإحصائي الظاهر في الدول السبع الأخرى التي شملها الاستطلاع، في ما يخص ملف عمل المرأة.