في ظل انشغال العالم بالحرب الدائرة على غزة، اختتم مؤتمر المناخ 28 أعماله في الثاني عشر من ديسمبر الجاري في دبي بالإمارات العربية المتحدة. تغايرت ردود الفعل تجاه نتائج المؤتمر. من ناحية، حقق المؤتمر بعض الإنجازات المهمة، بما في ذلك اتفاقاً للابتعاد عن استعمال الوقود الأحفوري وصندوق تعويض. ومن ناحية أخرى، يبدو أن هذه الإنجازات لا تبلغ حد التوقعات أو حد ما هو مطلوب فعله عملياً.
في حين يمكن أن تثبت أهمية الخطوات المُتّخَذة خلال المؤتمر في مواجهة تغير المناخ، من المحتمل ألا يرى المواطنون العاديون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أنها تعالج المشاكل البيئية المهمة في نظرهم. في دورته السابعة (2021-2022)، طرح الباروميتر العربي أسئلة للمواطنين في 12 دولة عربية حول وجهات نظرهم تجاه قضايا البيئة وتغير المناخ. تقول أقلية صغيرة فقط إن تغير المناخ هو التحدي البيئي الأكبر الذي تواجهه بلادهم. في المقابل، تتصدر المشاكل المتعلقة بالمياه، بما في ذلك شح الموارد المائية أو تلوثها، قائمة التحديات البيئية التي تواجهها بلدان المنطقة، بحسب المواطنين. ثلث الناس، على الأقل، في البلدان المستطلعة جميعها يقولون إن قضايا المياه تمثل التحدي البيئي الأكبر لبلادهم. في حين يمكن الربط بين شح المياه وتغير المناخ، فوّت مؤتمر المناخ فرصة سانحة لزيادة الوعي بمعاناة سكان المنطقة إذ لم يقترح حلولاً واضحة للتحديات اليومية التي يواجهونها.
ثمة اتفاق واسع عبر المنطقة حول تأثير نقص الوعي الشعبي على التحديات البيئية الموجودة مسبقاً. ولكن اللوم لا يٌلقى على كاهل المواطنين وحدهم. هناك مستويات مماثلة من الاتفاق حول تأثير الدور الحكومي في الأمر ذاته. غالبية المواطنين في الدول المستطلعة جميعها يقولون إن الافتقار للمبادرات الحكومية والإنفاق على مشاريع حماية البيئة يفاقم التحديات البيئية. ليس غريباً، بالتالي، أن تقول نسب كبيرة من المواطنين في البلدان المستطلعة إنها تريد من حكوماتها القيام بعمل أكبر لمعالجة تغير المناخ.
بينما يريد المواطنون عبر المنطقة رؤية تدخلات حكومية أكبر في معالجة تغير المناخ، ثمة مشاكل أكثر إلحاحاً تأخذ الأسبقية. عند سؤالهم حول أولويات إنفاق حكوماتهم في السنة القادمة، تقول أقلية فقط من مواطني المنطقة إن البيئة يجب أن تكون أولوية الإنفاق. التعليم، الصحة، والتنمية الاقتصادية تسبق البيئة في قائمة الأولويات التي يجب على الحكومة الإنفاق عليها في المستقبل القريب.
أطلق مؤتمر المناخ الـ28 صندوق الخسائر والأضرار الذي تم الاتفاق على إنشائه أثناء مؤتمر المناخ الـ27 في مصر العام الماضي. يُفترض أن يكون هذا الصندوق آلية للدول الفقيرة التي تعاني من ويلات تغير المناخ لكي تُلزم الدول الغنية بالتعويض مقابل ما أحدثته من أضرار للبيئة والمناخ. تُقدر الأضرار بأكثر من 400 مليار دولار أمريكي سنوياً في البلدان النامية مع توقعات لارتفاع هذا الرقم خلال السنوات القادمة بناءً على التوجه والمنحى الحالي.
ولكن حتى اللحظة لم يتم التعهد إلا بنسبة صغيرة جداً (أقل من 2 بالمئة) من القيمة المطلوبة. كما لم يتم الإفصاح عن تفاصيل مساهمات الدول الغنية، مما يضيف إلى الانتقادات الواسعة لمدى جدية هذه الدول ولمدى نجاح المؤتمر في تحقيق نتائج ملموسة. على أية حال، إذا ما نجح الصندوق في جمع المساهمات المطلوبة، يمكن أن يوفر لحكومات المنطقة الموارد اللازمة لتخصيص مبالغ أكبر للإنفاق على مشاريع معالجة المناخ.
بدون هكذا موارد، من الوارد جداً أن تظل حكومات المنطقة منشغلة بالتحديات الأخطر قريبة الأمد التي تهدد حياة مواطنيها، مفتقرة في أثناء ذلك لأي أموال إضافية يمكنها تخصيصها لمشكلة تغير المناخ.
بينما نجح مؤتمر المناخ الـ28 في تحقيق تقدم مهم، ما تم إنجازه حتى اللحظة لا يزال بعيداً عن مخاوف ومطالب الناس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لضمان عدم تجاهل المواطنين، لا بد لمنظمي المؤتمر مستقبلاً وناشطي المناخ أن يبيّنوا بوضوح الرابط بين تغير المناخ عموماً والتحديات البيئية اليومية التي يواجهها سكان المنطقة.