تلعب الأمم المتحدة دورًا هامًا في معالجة الصراعات الدولية، خصوصًا في العالم العربي. بيد أن الآراء تجاه المنظمة تختلف كثيرًا عبر المنطقة، متأثرةً بالتجارب والأولويات الخاصة بكل بلد. بناءً على نتائج استطلاعات الدورة السابعة من الباروميتر العربي (2021 – 2022)، تنظر هذه المقالة في آراء شعوب المنطقة تجاه الأمم المتحدة وأولوياتها وكيف تؤثر الأوضاع الداخلية على هذه الآراء.
من يفضل الأمم المتحدة؟
كما هو واضح في الرسم البياني أدناه، تختلف تفضيلات الناس للأمم المتحدة عبر العالم العربي. في الدول التي تعرضت لحروب لم تتدخل فيها المنظمة بشكل إيجابي فعال، كفلسطين والعراق وليبيا، يميل الناس للتعبير عن معدلات أقل من تأييد الأمم المتحدة. في هذه الدول، يُنظر للمنظمة على أنها غير فعالة ويقول عدد كبير من المواطنين إنهم غير راضين عنها إطلاقًا.
بالمقابل، في بلدان مثل الأردن والجزائر والمغرب ولبنان والسودان وموريتانيا، معدلات الرضا عن المنظمة أعلى. لم تتعرض هذه الدول لحروب دولية تخوضها قوى غربية، ما قد يفسر رضا مواطنيها عن الأمم المتحدة واعتقادهم بأنها مؤسسة مهمة للوساطة وحل النزاعات. لم تجرب هذه الشعوب نفس معدلات الإحباط المباشر من عدم فاعلية الأمم المتحدة.
من اللافت للنظر أن تونس تمثل استثناءً في هذا الصدد. رغم عدم تعرضها لحرب، تبدو وجهات نظر المواطنين في تونس تجاه الأمم المتحدة متوازنة. بينما يقول 31 بالمئة من التونسيين يقولون إنهم غير راضين إطلاقاً، يقول المثل (31 بالمئة) إنهم راضون عنها نوعًا ما.
ماذا يريد العرب من الأمم المتحدة أن تفعل؟
عند السؤال عن أهم أولويات المنظمة في المنطقة، تركز الشعوب على ملفين رئيسيين: حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومكافحة الفساد.
يذكر الناس في دول مثل فلسطين والجزائر والأردن وتونس حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي باعتباره الأولوية القصوى. في فلسطين، 52 بالمئة من الناس يقولون إن هذا الملف ينبغي أن يكون هو محل تركيز الأمم المتحدة، كما يقول الأمر ذاته 41 بالمئة من الجزائريين، 37 بالمئة من الأردنيين، و33 بالمئة من المواطنين في تونس.
بالمقابل، يظهر أن الناس في دول مثل لبنان وموريتانيا والعراق والمغرب والسودان يرون الفساد هو المشكلة الأكبر. في لبنان، يقول 52 بالمئة من المواطنين إن الأمم المتحدة يجب أن تركز على مكافحة الفساد – وهي النسبة الأعلى بين الدول المُستطلَعة، متبوعة بـ38 بالمئة في موريتانيا، 37 بالمئة في العراق، 29 بالمئة في المغرب، و24 بالمئة في السودان.
الفساد مشكلة عميقة بالمنطقة. حتى في الدول التي تركز أكثر على حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يبرز الفساد في الترتيب الثاني على قائمة الأولويات، كما يظهر في الرسم البياني أدناه بالنسبة للأردن والجزائر وتونس وفلسطين.
في ليبيا، يختلف الأمر. يضع المواطنون مسألة معالجة الصراعات القائمة في دول كليبيا وسوريا واليمن على قائمة الأولويات، قبل مكافحة الفساد. يبدو هذا التوجه منطقيًا، فمن الطبيعي أن تولي الدول التي تمر بنزاع مسألة إنهاء هذا النزاع الأولوية القصوى.
هل يمكن للأمم المتحدة أن تكون على قدر التوقعات؟
رغم عدم رضا المواطنين عنها في دول مثل فلسطين والعراق وليبيا، يأمل كثير من الناس في هذه الدول في أن تلعب الأمم المتحدة دورًا إيجابيًا وأن تعالج القضايا الرئيسية مثل القضية الفلسطينية والنزاع الداخلي في ليبيا. يطرح ذلك سؤالا مهمًا: هل يمكن للأمم المتحدة أن تستعيد الرضا الشعبي عنها في هذه الدول عبر إجراء تغييرات قيّمة؟ ما الخطوات التي يمكن أن تقوم بها حتى تتماشى أولوياتها مع مطالب المنطقة بحل الصراعات ومكافحة الفساد؟ وكذلك، هل يمكن للأمم المتحدة أن تحافظ على رضا الناس عنها في الدول التي لم تختبر إحباطاً من أفعالها؟
ستحدد إجابات هذه الأسئلة قدرة الأمم المتحدة على استعادة الثقة الشعبية فيها عبر العالم العربي وعلى الحفاظ على صورتها كمؤسسة دولية ذات فاعلية ومصداقية في عيون من لا يزالون يثقون بها.
دانا أبو حلتم طالبة دكتوراه بقسم العلوم السياسية، جامعة تينيسي. الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن وجهة نظر الكاتبة.