الرأي العام بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومستقبل التطبيع مع إسرائيل

في عام 2020 نجحت إدارة ترامب في توقيع اتفاقات تطبيع العلاقات بين إسرائيل وأربع دول عربية، هي البحرين والمغرب والسودان والإمارات، ما شكّل تحولاً كبيراً في العلاقات الإقليمية، وأثار النقاش العام عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كانت الصفقة معقدة؛ فهي لم تؤمّن السلام مع إسرائيل فحسب، وإنما اشتملت أيضاً على تغييرات في السياسة الأمريكية كان يرغب فيها مواطنو الدول المشاركة. على سبيل المثال، اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب – التي أعلنها منذ وقت طويل – على الصحراء الغربية المتنازع عليها، وأخرجت السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

أحد الأهداف الأساسية لاتفاقات أبراهام كان بناء “سلام دافئ” بين إسرائيل والدول العربية الأربع، وهو جزء مما ألهم الرعاة الأمريكيين للاتفاقات بإجراء هذه التغييرات في السياسات. كان مصممو الاتفاقات يأملون أنه من الآن فصاعداً، سوف يساعد التعاون الاقتصادي والتفاعل الثقافي إسرائيل في أن تحظى بنظرة أكثر إيجابية في الرأي العام لهذه الدول. فضلاً عن ذلك، صُممت هذه الاتفاقات أيضاً بحيث تنتقل إلى دول أخرى، على رأسها السعودية.

صُمم هدف السلام الدافئ للاستفادة من دروس اتفاقات الماضي. فقبل 2020 طبّعت دولتان فقط في جامعة الدول العربية العلاقات مع إسرائيل. وقّعت مصر اتفاق سلام في 1979، وفعل الأردن الأمر ذاته في 1994. على أن العلاقات بين هاتين الدولتين وإسرائيل ظلت هشّة. رغم التعاون بين الحكومات في قضايا مثل الأمن، لم يزد اطمئنان السكان في الأردن ومصر لجارتهم المشتركة. في واقع الأمر، بعد توقيع اتفاقات أبراهام، كان الأردنيون والمصريون من بين أقل الشعوب – من شعوب 12 دولة شملها الاستطلاع – تفضيلاً لتطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ إذ قال خمسة بالمئة فقط من البلدين إنهم يؤيدون هذه العملية أو يؤيدونها بشدة.

ولقد أظهرت البيانات الأوّلية من الباروميتر العربي بشأن الآراء إزاء اتفاقات أبراهام أن فكرة السلام الدافئ قد تكون ممكنة، على الأٌقل في بلدين من البلدان التي طبعت العلاقات. كان دعم التطبيع أعلى بكثير في المغرب (31 بالمئة) والسودان (39 بالمئة) بعد عام تقريباً من توقيع الاتفاقات، مقارنة بالنسب في الدول الأخرى. يبدو أن السبب الأساسي لهذا الاختلاف متّصل بمستوى التعليم. ففي البلدين، كان إقبال المتعلمين جامعياً أعلى بكثير على تأييد التطبيع مقارنة بحملة الشهادات الثانوية والمستويات التعليمية الأقل. في المغرب، كانت الفجوة بين هذه الفئة وتلك 28 نقطة مئوية، وبلغت 13 نقطة في السودان. يبدو أن من يزيد احتمال فهمهم لكامل مزايا الاتفاقات – أي تغيّر السياسات الأمريكية نحو الصحراء الغربية ورفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب – كانوا أيضاً الأكثر دعماً للتطبيع في البلدين.

لم يظهر أن لهذه الاتفاقات تأثير يُذكر في البلاد الأخرى التي شملها الاستطلاع. في سبع من تسع دول شملها الاستطلاع، كان 11 بالمئة على الأكثر يؤيدون هذه العملية. الاستثناءان هما لبنان (17 بالمئة) والعراق (14 بالمئة). في البلدين، كانت الآراء الأعلى إقبالاً بقليل على تفضيل التطبيع مرتبطة بتجمعات سكانية معينة. في لبنان، أعرب 38 بالمئة من المسيحيين عن دعم التطبيع، مقارنة بخمسة بالمئة فقط من المسلمين. في العراق، بلغت نسبة إقبال الأكراد على التطبيع 29 بالمئة، مقارنة بـ 12 بالمئة في صفوف باقي السكان.

وفي عالم ما بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول تغيرت التصورات والآراء مرة أخرى. لم يحدث في أي من الدول الثماني التي شملها استطلاع الباروميتر العربي 2023-2024 أن قال أكثر من 13 بالمئة من المواطنين إنهم يدعمون التطبيع. وفي أغلب الدول، مثّل هذا تراجعاً بسيطاً عن مستوى الدعم المنخفض بالفعل. لكن في المغرب، تراجعت النسبة بقوة، من 31 بالمئة إلى 13 بالمئة. المغاربة الآن لا يقبلون على دعم التطبيع أكثر من العراقيين أو اللبنانيين. أي آمال في “سلام دافئ” كانت موجودة اعترتها البرودة. يبدو أن هذا التغيّر مرتبط بالكامل بالحرب في غزة. من بين المغاربة الذين قالوا إن أفضل طريقة لوصف حملة إسرائيل العسكرية هنا هي أنها “إبادة جماعية”، يدعم 9 بالمئة فقط التطبيع. وبين من وصفوها بأنها “نزاع”، يعرب 31 بالمئة عن تأييد التطبيع، وهي نفس نسبة جميع المغاربة قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول.

للأسف، بسبب الحرب الأهلية في السودان، لم يكن من الممكن إجراء استطلاع جديد هناك. كما لا تتوفر لدينا بيانات من البحرين أو الإمارات لفحص أية تغيرات محتملة في البلدين. لكن المغرب يقدم لنا مثالاً تحذيرياً حول الآمال في التطبيع في المستقبل. الحرب في غزة غيّرت آراء الناس تماماً حول التطبيع. الصور المروعة التي تخرج من غزة شاهدها الناس في المغرب والمنطقة، فحوّلت من كانوا أنصاراً لاتفاقات السلام مع إسرائيل إلى خصوم لها.

سيبقى السلام الدافئ دائماً عملية صعبة، لكن في الظروف الحالية يبدو مستحيلاً بين إسرائيل والدول العربية. وسوف تواجه الجهود المتجددة لمد اتفاقات أبراهام إلى السعودية والدول الأخرى عقبات كبيرة. فالناس عبر المنطقة غير مستعدين لتبني فكرة السلام مع إسرائيل، على الأقل ليس دون الخروج بنتيجة مشرّفة للفلسطينيين. ومما ظهر سابقاً، يدعم الرأي العام بالمنطقة أكثر حل الدولتين، مقارنة بدعمه لهذا الحل قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، ما يُظهر أن السلام الدافئ  لن تكون له فرصة إلا بعد تأسيس دولة فلسطينية مستقلة. إلى أن يحدث هذا، فحتى لو تمددت اتفاقات أبراهام لدول أخرى، فالنتيجة المرجحة هي سلام بارد مماثل لذلك القائم بين إسرائيل وكل من الأردن ومصر.