في كلمة متلفزة يوم 10 مايو/أيار، قال الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح بكل حزم: “لن أسمح على الإطلاق أن تُستغل الديمقراطية لتحطيم الدولة”. جاءت هذه الكلمة أثناء إعلانه حلّ مجلس الأمة للمرة الثانية في ظرف ثلاثة أشهر، وتفعيل تجميد مؤقت على بعض مواد الدستور لأربع سنوات. من ثم، قرر الأمير تشكيل وزارة جديدة وشدد على عزمه السعي لتنفيذ الإصلاحات. لا يقتصر هذا الموقف على توضيح استعداده للدفع بسياسات مثيرة للجدل فقط، بل يؤشر أيضاً إلى مسعى استراتيجي لتقليل اعتماد الكويت على عوائد النفط.
لقد أثار حلّ البرلمان الدهشة في أوساط الكويتيين والمراقبين للشأن الكويتي. فالمعروف عن الكويت أنها معقل للديمقراطية في منطقة تتسم بالنزوع للسلطوية منذ مرحلة الانتفاضات العربية. وفي تناقض صارخ مع النظراء من مجلس التعاون الخليجي، تزهو الكويت ببرلمان له سلطات تشريعية، مع القدرة على الاشتباك في تشكيل ومناقشة وتفعيل القوانين. يمكن لمجلس الأمة أيضاً استدعاء الوزراء والتصويت على سحب الثقة، وهو ما أدى في أغلب الأحيان إلى استقالات وزارية. قبل شهر – في 4 أبريل/نيسان – عقدت الأمة انتخابات مبكّرة لاختيار برلمان جديد. ويفخر الكويتيون كثيراً بتقاليدهم الديمقراطية، وتشمل الانفتاح السياسي وحرية التعبير. لا يتمتع المواطنون في أية دولة أخرى من دول مجلس التعاون الخليجي بنفس هذه الحقوق.
على أن بعض المراقبين قد يرون في قرار حلّ البرلمان نتيجة للتوترات والخلافات في النظام السياسي الكويتي، القائمة منذ فترة. فالخلافات المستمرة والمزمنة بين الأعضاء المنتخبين لمجلس الأمة، والحكومة، قائمة على قدم وساق في الكويت منذ سنوات، وتشمل الخلافات حول الإصلاحات الاقتصادية. ويُلاحظ أنه منذ عام 2006، جرى حلّ مجلس الأمة عشر مرات وأُلغي تشكيله ثلاث مرات من قِبل المحكمة الدستورية، وهو الأمر الشاهد على التحديات التي تحيط بالكويت.
في “هل سيكون برلمان الكويت القادم هو الأخير؟” المقال المنشور في دورية “ديموكراسي أونلاين إكسكلوسف” لـ سين يوم – نُشر في عدد مارس/آذار 2024 – تنبأ المؤلف بحلّ البرلمان. مع تحليله للسياق التاريخي لرحلة الكويت مع الديمقراطية – التي اتسمت بالأزمات التشريعية والخلافات السياسية المتكررة – أثار يوم نقاطاً في محلها حول استدامة الديمقراطية البرلمانية. تنبأ يوم أيضاً بأنه إذا حلّ الأمير البرلمان، فقد تواجه الكويت معارضة كبيرة. على ذلك، فالمظاهرات في الشوارع لم تخرج بعد، وأبدى الكويتيون رداً محدوداً على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي إزاء حل البرلمان.
ما هو موقف الناس؟ في استطلاع الرأي الذي أجريناه في الكويت مؤخراً – بالتعاون بين طارق مسعود من جامعة هارفارد والباروميتر العربي – سجلنا ملاحظات قيّمة. هذا الاستطلاع الذي تمّ قبل شهر رمضان هذا العام، يكشف عن صورة معقدة: بينما أبدى المبحوثون الإحباط من أداء البرلمان، فقد شددوا في الوقت نفسه على أهمية العملية الانتخابية.
تشمل بياناتنا 1210 مقابلات تمت وجهاً لوجه بين 14 فبراير/شباط و18 مارس/آذار. استعان الاستطلاع بتقنيات انتقاء العينات الاحتمالية لضمان تمثيل المواطنات والمواطنين في الكويت، من سن 18 عاماً فأكبر. ضمّ الاستطلاع باقة عريضة من الأسئلة التي تهدف إلى قياس آراء ومواقف الكويتيين العاديين حول الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويجدر بالملاحظة أن الكويت هي الدولة الوحيدة من منطقة مجلس التعاون الخليجي التي يسهل فيها إجراء استطلاعات رأي شاملة ممثلة لمستوى الدولة، ما يسلط الضوء على أهمية هذه العملية البحثية.
مشاعر الكويتيين نحو أداء البرلمان تتسم بالغضب والإحباط
لقد طرحنا عدة أسئلة لقياس آراء وتصورات الكويتيين حول مجلس الأمة. يُلاحظ أن 66 بالمئة يؤيدون “بشدة” أو “إلى حد ما” مقولة أن مجلس الأمة “يبطئ أداء الحكومة”. هذا التصوّر السائد بنسبة كبيرة – ومفاده عدم الرضا عن مجلس الأمة – ينتشر عبر مختلف الفئات السكانية، بغض النظر عن السن أو مستوى الدخل أو المستوى التعليمي، ما يشير إلى انتشار الاستياء من أداء البرلمان.
بالمثل، يؤيد 60 بالمئة مقولة “يمكن للحكومة تنفيذ تحركاتها الفعالة لمصلحة الدولة إذا عرقلها البرلمان”. فضلاً عن ذلك، فإن 39 بالمئة فحسب يؤيدون فكرة أن أعضاء البرلمان مؤهلون وقادرون على تولي مهام مناصبهم، مقابل 50 بالمئة يعتنقون نفس الآراء إزاء الوزراء. كانت هذه أسئلتنا الجديدة، التي لم ترد في استطلاعات الباروميتر العربي في دوراته السابقة.
وهناك ميزة مهمة للتعاون مع الباروميتر العربي، هي قدرتنا على إجراء تحليلات على مدى زمني طويل، مع القدرة على عمل مقارنات بين ردود الناس عبر مختلف الدورات. على سبيل المثال، رداً على سؤال عما إذا كنت توافق أو ترفض مقولة “النظم الديمقراطية غير حاسمة ومليئة بالمشكلات”، يؤيد المقولة أو يؤيدها بشدة 41 بالمئة من المبحوثين. هذه زيادة كبيرة مقارنة بنسب الرد على نفس السؤال في استطلاع الباروميتر العربي عام 2018، وكانت حينئذ 27 بالمئة فقط. بالمثل، رداً على مقولة “في النظم الديمقراطية، يكون أداء الدولة الاقتصادي ضعيفاً”، يؤيدها 39 بالمئة في الاستطلاع الأخير. المثير للدهشة، أن نسبة أقل بكثير – 18 بالمئة فقط – أيدتها في 2018.[1]
النتائج لا تعني قابلية الكويتيين للتخلي عن مبادئهم الديمقراطية
تُظهر نتائجنا حتى الآن إقرار الكويتيين بأن الإطار الديمقراطي للدولة ليس مثالياً أو نموذجياً بلا عيوب. ما معنى النتائج لمستقبل الديمقراطية في الكويت؟ هل سيقبل المجتمع الكويتي بالبدائل السلطوية؟ بينما يعتنق الكويتيون بلا شك مشاعر الإحباط والغضب نحو الخلافات البرلمانية في الآونة الأخيرة، فهم يعربون أيضاً عن العزم على اعتناق الإرث الديمقراطي الكويتي. على وجه الدقة، يؤيد 66 بالمئة من الكويتيين مقولة “يمثل البرلمان جهة رقابة على الحكومة”. كما أن الأغلبية العظمى تؤيد فكرة أن “القدرة على اختيار القادة السياسيين في انتخابات” محوراً ضرورياً من محاور الديمقراطية والكرامة الإنسانية.[2] ثم إن نسبة هائلة بلغت 85 بالمئة تؤيد مقولة “النظم الديمقراطية قد تكون بها مشاكل، لكنها أفضل من النظم الأخرى”.[3] تاريخياً، أثناء فترات حلّ مجلس الأمة من قِبل حكام الكويت (1976-1981، 1986 – 1991)، تمكّن المواطنون دائماً من إعادة مجلس الأمة، وهو الأمر الشاهد ربما على عراقة تقاليد بناء الإجماع في الكويت وكونها سابقة على الدستور.
ورداً على سؤال عن الطرف المسؤول عن “عدم الاستقرار السياسي المؤدي إلى تكوين خمس حكومات في سنة واحدة وثلاثة انتخابات برلمانية في ثلاث سنوات” في الكويت، يعزو 69 بالمئة المسؤولية إلى كل من الحكومة والبرلمان. ولقد ردّ جميع المبحوثين تقريباً على هذا السؤال، وقد اختار ألا يجيب عليه ما لا يزيد عن 22 شخصاً – أي أقل من 2 بالمئة من العينة. من ثم، لدى تقييم الإجراءات المحتملة لتصحيح الوضع في الكويت، توصل 64 بالمئة إلى أن “تدخل الأمير لوقف تنفيذ القرارات الحكومية” سيساعد بدرجة كبيرة، بينما أجاب 57 بالمئة أن “الانتخابات البرلمانية الجديدة بناء على قانون انتخابات جديد” ستساعد كثيراً. ويفهم الكويتيون أن العملية المعقدة القائمة بين مجلس الأمة المنتخب ومجلس الوزراء يُرجح أنها شكّلت مسار الاضطرابات السياسية في الآونة الأخيرة. كما يرون أن الطرفين يتحملان المسؤولية عن التحديات والقلاقل الكثيرة التي وسمت المشهد السياسي الكويتي مؤخراً.
في غياب المتابعة البرلمانية لأداء الحكومة وأطراف العملية السياسية، ربما ستنفذ الحكومة الإصلاحات الاقتصادية التي طال انتظارها، وقد تنفذ معها مبادرات أخرى. لكن خضوع الأداء الحكومي للمحاسبة الآن يقع على كاهل السلطة التنفيذية بالكامل. هذه المسؤولية تزيد من الضغوط على الحكومة لكي تُظهر القيادة الفعالة، وتتصدى لشواغل المواطنين، وتتعامل مع التحديات المُلحّة الضاغطة. من ثم، على الحكومة أن تتعامل مع مرحلة الانتقال السياسي هذه بكل العناية والشفافية، مع ضرورة أن تهدف إلى إعادة بناء ثقة الجمهور وأن توجّه الأمة من جديد نحو التقدم.
يوري نوه هي أستاذة مساعدة بمجال العلوم السياسية في جامعة رود أيلاند، وباحثة مُلتحقة بمبادرة الشرق الأوسط في جامعة هارفارد. بدءاً من خريف 2024 سوف تتولى منصب أستاذة مساعدة للعلوم السياسية في جامعة يوتا. تركز بحوثها على المؤسسات الانتخابية والجندر والسياسة، والرأي العام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
[1] يُرجى ملاحظة أنه على النقيض من الوضع في 2018، فالسؤال في 2024 وُجّه إلى نصف المبحوثين فقط (العدد = 601).
[2] قُسّمت العينة إلى قسمين. سُئل النصف عما إذا كانت قدرة اختيار القادة السياسيين بشكل حر محوراً أساسياً من محاور الديمقراطية (عدد = 609) أو الكرامة الإنسانية (عدد = 601). في العينة المنقسمة، أيد المقولة 82 بالمئة و79 بالمئة على التوالي: الانتخابات ضرورية للديمقراطية والكرامة.
[3] طُرح السؤال على نصف المبحوثين فقط (عدد = 601).