كشف تقرير مؤسسة “الباروميتر العربي” البحثية الصادر مطلع مارس 2024، عن وعي متزايد لدى التونسيين بمشاكل البيئة والتغير المناخي، كما كشف عن شعورهم بقلق عميق من شح المياه وتأثيره على حياتهم اليومية.
“عبر التونسيون عن قلق عميق إزاء بيئتهم الطبيعية والتغيّر المناخي، ويتمثل مبعث القلق الأكبر لديهم في شح الموارد المائية، تليه الآثار الأعرض لتغير المناخ، ومنها آثاره على الصحة البدنية والنفسية”. كان هذا ما خلص إليه استطلاع الرأي الذي أجري بين 13 سبتمبر و4 نوفمبر 2023، في مقابلات مباشرة ضمت 2406 عينة عشوائية مع التونسيات والتونسيين من مختلف جهات الجمهورية.
ويبين الاستطلاع أن التونسيين.ات قلقون.ات من تأثير تغير المناخ على حياتهم اليومية، إذ اعتبر المستجوبون.ات أن الأنشطة التجارية التي تقوم بها، سواء الشركات الدولية أو المحلية، هي أكثر العوامل المساهمة في تغير المناخ، محملين الشركات والحكومات والأفراد المسؤولية في اتخاذ خطوات لتحسين بيئتهم والتصدي لتغير المناخ، بما يشمل معاقبة الملوثين للبيئة والتوقف تدريجيا عن استخدام المحروقات.
عندما تلامس البيئة تفاصيل الحياة…
لدى السؤال عن بعض آثار التغير المناخي على حياتهم اليومية، اتضح أن التونسيين.ات يشعرون.ن بتأثير كبير إذ يقول 84% إن حياتهم.هن اليومية تأثرت بدرجات الحرارة المتطرفة. والنساء هن الأكثر إقبالا على القول إن درجات الحرارة المتطرفة تؤثر على حياتهن اليومية، بواقع 89%، مقارنة بـ 79% في صفوف الرجال. ويعتبر الناس أيضا تلوث الهواء مشكلة كبرى تواجه الحياة اليومية، حيث يقول 4 من كل 5 تونسيين إن تلوث الهواء يؤثر على حياتهم اليومية بدرجة كبيرة أو متوسطة.
وخلص تقرير “الباروميتر العربي الدورة الثامنة” إلى أن ندرة المياه تُعتبر في تقدير التونسيين أكبر التحديات في الحياة اليومية، إذ يقدر 92% أن هذه المشكلة تؤثر على حياتهم اليومية بدرجة كبيرة أو متوسطة.
وفي طرحه للمبعث الأكبر للقلق لدى التونسيين.ات فيما يتعلق ببيئتهم.هن، ذكر التقرير أن قضايا المياه هي التحدي البيئي الأساسي الذي يواجه تونس، بالنسبة للمستجوبين، إذ اعتبر نحو 6 من كل 10 أشخاص أن أكبر تحد بيئي هو تلوث مياه الشرب (30%)، وذهب 21% إلى شح الموارد المائية و8% إلى تلوث المجاري المائية.
وفي إجابتهم عن سؤال يتعلق بمفهوم “تغير المناخ”، ربط غالبية المستجوبين تغير المناخ بأحوال الطقس المتطرفة، بواقع 40% من الإجابات. لكن يرى الكثيرون أن تغير المناخ مرتبط بالكوارث الطبيعية (25%) والتلوث (10 %)، في حين تقول نسبة صغيرة إنه يتصل بالإنتاج الزراعي (6%) أو الهجرة (1%). لكن واحد من كل 5 تونسيين تقريبا (18%) يقول إنه لا يعرف، ما يظهر استمرار وجود فجوة معرفية لدى الكثيرين حول هذه القضية الهامة التي تؤثر على حياتهم، وفق ذات التقرير.
وعلى الرغم من تباين الفهم لتغير المناخ، فمن الواضح أن المواطن يفهم تأثيراته السلبية على حياته، إذ يقول 4 من كل 5 أشخاص (79%) إنهم قلقون من آثار تغير المناخ على صحتهم النفسية بدرجة كبيرة أو متوسطة، في حين يقول الثلاثة أرباع تقريبا (76%) الأمر نفسه عن صحتهم البدنية. كما يقلق أغلب التونسيين بدرجة كبيرة أو متوسطة من تغير المناخ، في تأثيره على سلامتهم الشخصية (71%) أو الوضع الاقتصادي للأسرة (64%).
من المسؤول؟
ولدى سؤال التونسيين عن تصنيفهم للأطراف الأساسية المساهمة في تغير المناخ، كان من الواضح أنهم يربطون المشكلة بقطاع الأعمال والشركات. حيث يرى 7 من كل 10 أشخاص أن القطاع الخاص في دول الغرب يسهم بدرجة كبيرة أو متوسطة في حدوث تغير المناخ، في حين تقول نسبة مماثلة (69%) الأمر نفسه عن الأعمال والشركات في تونس. ولام الثلثان (65%) حكومات الغرب، في حين تقول أغلبيات بسيطة إن مواطني دول الغرب (57%) يتحملون مسؤولية الإسهام في مشكلة تغير المناخ، أو المواطنين في تونس (55%) أو الحكومة التونسية (53%).
وعلى مستوى تحمل مسؤولية التصدي لهذه الممارسات السيئة في حق البيئة والمناخ، قال 4 من كل 5 أشخاص تقريبا إن حكومتهم (82%)، والشركات الغربية (81%) والشركات التونسية (81%) وحكومات الغرب (79%)، عليها جميعا مسؤولية كبيرة أو متوسطة عن التصدي لتغير المناخ. وورأت أغلبية كبيرة من التونسيين والتونسيات بأن المواطن، سواء في الغرب (74%) أو في تونس (72%)، عليه مسؤولية التصدي لهذا التحدي.
الحلول المقترحة
في علاقة بالحلول التي يراها مناسبة لتجاوز العوامل المذكورة، يرى المواطن التونسي أن المسألة تتعلق باتخاذ الحكومة اجراءات صارمة وسن قوانين ردعية، إذ اقترح 91% من المستجوبين فرض غرامات على إلقاء المخلفات في الأماكن العامة ويرى 90% ضرورة إعلاء أولوية تطوير مصادر الطاقة البديلة. في الوقت نفسه، يرغب 76% في أن يتم تخصيص المزيد من موارد الميزانية الوطنية للتصدي للتلوث. وهناك نسبة أصغر تدعم تغيير سياسات استخدام المحروقات أو المياه، إذ يفضل 64% إنهاء استهلاك المحروقات تدريجيا، ويقترح 60% وضع موعد نهائي لحظر السيارات الملوثة للبيئة، وهناك 59 بالمئة يرون رفع أسعار المياه بالنسبة للمستهلكين الذين يستهلكون كميات كبيرة منها، ويرى 57% وضع خطة لوقف إنتاج تونس للمحروقات تدريجيا.
وفي جزء يتعلق بتقييم التونسيين.ات للوضع الاقتصادي للبلاد، تطرق التقرير إلى مسألة تهديد الأمن الغذائي، والتي اعتبر 11% من المستجوبين أنها مرتبطة بمسألة تغير المناخ، فيما اعتبر 36 % أن سوء إدارة الحكومة لملف الغذاء هو السبب، في حين أعزى 14 % الأمر إلى التضخم، ويقول 7 % إن التفاوت في الثروة هو السبب. وإن ركزت الإجابات في مجملها على الأسباب الداخلية إلا أن إجابات أخرى لم تخل من السياق العالمي إذ رأى 18 % أن التحديات المرتبطة بالغذاء ترجع بالأساس إلى الحرب في أوكرانيا.
ورغم الوعي الذي أبداه المستجوبون.ات بالعوامل المحيطة بالتغيرات المناخية، إلا أن 3 % فقط منهم.هن يعتبرون.ن أن أولوية الانفاق الحكومي في العام المقبل يجب أن تكون على الحد من التلوث البيئي.
الأداء الحكومي
الاستجواب تناول أيضا مسألة رضا التونسيين عن الأداء الحكومي في عديد المجالات وتفاوتت النسب من ملف أساسي إلى آخر، إذ أعرب 43 % فقط عن رضاهم عن مرافق المياه، و37 % عن خدمات جمع القمامة، و20 % عن جودة الشوارع والطرق العامة. وإن كان الأداء الحكومي في هذه المجالات ضعيفا حسب ما أعرب عنه التونسيون إلا أن 12 % من بين المستجوبين أكدوا أنهم يتطوعون بأنفسهم لتحسين الوضع البيئي، وهو ما يدعم ربما مبدأ التشاركية في الحفاظ على البيئة والمناخ في بلداننا.
لعلّ تقرير “الباروميتر العربي” يمثل جرس الإنذار لجميع الأطراف، وتأكيدا ملحا على ضرورة اتخاذ خطوات ملموسة سواء من قبل الحكومة أو المؤسسات أو المواطنين في تونس من أجل حماية البيئة ومواجهة آثار تغير المناخ على البشر والحجر والنبات والحيوان.
هذا المقال نشر في الأصل على موقع كوسموس ميديا.
أمل الصامت صحفية تونسية ورئيسة تحرير كوسموس ميديا. الآراء الواردة في هذه المساهمة تعكس وجهة نظر الكاتبة.