رؤى الشباب: جودة الحياة والظروف الاقتصادية (الجزء الأول)

مقارنة بالسن المتوسط لسكان العالم، وهو 28 عاماً، فالسن المتوسط لسكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو 22 عاماً، ما يعني أن 28 بالمئة من سكان المنطقة هم من الشباب، وهي نسبة كبيرة. تتزايد نسب البطالة في المنطقة مع تزايد تعداد السكان بنسبة تكاد تبلغ ضعف معدل التزايد على مستوى سكان العالم. بالتوازي، تتراجع جودة الحياة بالنسبة للشباب، مع ارتفاع معدلات التضخم، واستمرار تداعيات جائحة كورونا، فضلاً عن العوامل الخارجية والداخلية الأخرى المؤثرة. تسلط هذه التوجهات الضوء على أهمية فهم ما إذا كان لدى هؤلاء الشباب – مع تكالب هذه التحديات عليهم – تصورات وتوجهات خاصة حول جودة الحياة وحالة بلادهم.

يظهر من نتائج الدورة السابعة للباروميتر العربي (2021-2022) من 12 دولة شملها الاستطلاع، أنه ليس عند الشباب تصورات ورؤى مختلفة حول المستقبل، فيما يخص جودة الحياة وظروف بلادهم الاقتصادية، مقارنة بالأكبر سناً. لا توجد أغلبيات عبر هاتين الفئتين العمريتين (الشباب من 18 حتى 29 سنة، والأجيال الأكبر من 30 سنة) ترى أن جودة حياتها أفضل مقارنة بجيل الآباء، باستثناء دولتين: الكويت وتونس. لكن ثمة أغلبيات أكثر تفاؤلاً إزاء التوقعات لمستقبل أطفالهم مقارنة بحياتهم. على الجانب المقابل، لا توجد أغلبيات في أي من الفئتين العمريتين تقول إن ظروف بلادها الاقتصادية الحالية جيدة جداً أو جيدة، ولا تقول كذلك إنها ستتحسن على مدار فترة العامين إلى الثلاثة أعوام المقبلة.

تشير هذه النتائج إلى أن النظرة للمستقبل في أعين مواطني المنطقة – تحديداً حول جودة حياتهم – لا توجهها بالضرورة أو حصراً تصوراتهم عن الأوضاع الاقتصادية في بلادهم. بينما يتصور المواطنون – لا سيما الشباب – أن جودة حياة أطفالهم في المستقبل ستكون أفضل، فهم لا يتوقعون أن تتحسن أحوال بلادهم الاقتصادية. هذه مسألة تتطلب البحث عن عوامل أخرى، داخل كل دولة من الدول ربما، وبالتركيز على تباين الآراء بين الرجال والنساء، قد تكون وراء منظور مواطني المنطقة لجودة الحياة في المستقبل. هذا المقال، الأول من جزئين عن رؤى الشباب في المنطقة، يركز على مقارنات بين الشباب والأكبر سناً في المنطقة. سوف يبحث الجزء الثاني في الديناميات داخل الدول، ويبحث حول العوامل الأخرى بخلاف السن التي قد تكشف عن اختلافات الرؤى في المنطقة.

يظهر من نتائج الدورة السابعة للباروميتر العربي أن الشباب لا يتبنون رؤية جيلية خاصة – عبر أفكارهم وتوجهاتهم – عن جودة الحياة والوضع الاقتصادي لدولهم، مقارنة بالأجيال الأكبر.

في الكويت وتونس فقط تقول أغلبية من الشباب بين 18 و29 عاماً إن جودة حياتهم أفضل من آبائهم، مع قول أغلب الشباب في سبع دول إن جودة حياة أطفالهم ستكون أفضل من حياتهم. لكن الإقبال على هذه المقولة لا يختلف في نسبه عمّن يبلغون من العمر 30 عاماً فأكثر. في الكويت فقط تقول أغلبية كبيرة ممن تزيد أعمارهم عن الثلاثين إن جودة حياتهم أفضل من جودة حياة آبائهم. وتعرب أغلبيات من الفئات العمرية الأكبر في ثلاث دول فقط (تونس ومصر وفلسطين) عن اعتقادها بأن حياة الأبناء ستكون أفضل من حياتهم (وتتفاوت النسبة بين الفئات العمرية في ست دول أخرى غير ذات دلالة إحصائية). وبينما يُبدي الشباب تفاؤلاً أكثر حول المستقبل مقارنة بالشرائح الأكبر سناً، فالتوجهات القائمة لا تزال متشابهة للغاية بين مختلف الشرائح العمرية.

يُظهر الشباب والأجيال الأكبر في لبنان معاً أدنى معدلات تفاؤل. يقول 20 بالمئة فقط من الشباب اللبناني إن جودة حياتهم أفضل من آبائهم، ويوافقهم الرأي 16 بالمئة فقط من اللبنانيين أكبر من 30 عاماً. كما يحتل الشباب اللبناني أدنى درجات ترتيب التفاؤل إزاء جودة حياة الأبناء مقارنة بحياتهم، وإن كانوا أكثر تفاؤلاً حول حياة الأبناء مقارنة بتصنيفهم لجودة حياتهم، بفارق 11 نقطة مئوية (31 بالمئة). كما أن اللبنانيين الأكبر سناً (30 فأكبر) يحدوهم قدر أكبر قليلاً من التفاؤل حول حياة أبنائهم مقارنة بحياتهم. هذا الإحجام عن التفاؤل في لبنان يستقيم مع ما بُحث وكُتب عن تصورات اللبنانيين وتوجهاتهم إزاء المستقبل، إذ أبدوا عدم الرضا عن الأوضاع الداخلية، والتشاؤم إزاء مستقبل لبنان، وإزاء حياتهم، وجودة حياتهم المالية الاقتصادية.

بخلاف المذكور، فإن تزايد التفاؤل حول جودة الحياة في المستقبل عبر الشريحتين العمريتين بالمنطقة، لا يقترن بالآراء حول الوضع الاقتصادي في دول المنطقة ومستقبل الظروف الاقتصادية. الكويت هو البلد الوحيد حيث توجد أغلبية تقول إن حالة الاقتصاد الوطني جيدة أو جيدة جداً (عبر الشريحتين العمريتين). كما أن الجميع بغض النظر عن السن في تونس فقط يُعربون بنسبة الأغلبية عن الاعتقاد بأن مستقبل بلدهم الاقتصادي سيتحسن عبر العامين إلى الثلاثة أعوام المقبلة، تحسناً كبيراً أو إلى حد ما. 

بينما جاءت آراء الكويتيين إزاء ظروفهم الاقتصادية إيجابية، على النقيض من المنطقة، فهم أقل اقتناعاً بأنها ستتحسن. أغلبية من المواطنين في الكويت أيضاً ترى أن جودة حياتهم جيدة وجودة حياة أطفالهم ستكون أفضل. بينما كانت الكويت من الدول الأكثر توليداً للتحويلات النقدية لبلاد أخرى عبر المنطقة وبها استقرار اقتصادي جيد نسبياً، فإن التصورات البحثية حول المستقبل تُظهر تباطؤ النمو الاقتصادي هناك. هذا الأمر بدوره يظهر في نتائج الاستطلاع، إذ أن أغلب الكويتيين لديهم آراء إيجابية حول الوضع الاقتصادي الحالي، مع غياب نفس التفاؤل حول توقعاتهم عن المستقبل.

وأغلب التونسيين عبر الشريحتين العمريتين، يعربون عن توجهات إيجابية حول السؤالين، لا سيما فيما يخص المستقبل. يقول أغلب الشباب التونسي إن جودة حياتهم أفضل وأن حياة أطفالهم ستكون أفضل، ويقول أغلب التونسيين في سن 30 عاماً فأكبر إن جودة حياة أطفالهم ستكون أفضل. كما يقول أغلب التونسيين من الفئتين العمريتين إن وضع بلدهم الاقتصادي سيتحسن خلال فترة العامين إلى الثلاثة أعوام المقبلة. ورغم تضاؤل التفاؤل والدعم لقيس سعيد اليوم، فقد كان حماسهم كبيراً له ولحملته التي اوصلته إلى الرئاسة في 2019، وربما لعب هذا دوراً في إشعال الحماس والتفاؤل الذي ظهر في استطلاع الباروميتر العربي في 2021-2022. مع وعوده بمكافحة الفساد، اكتسب الدعم وربما أشعل شرارة التفاؤل، لا سيما حول مستقبل تونس الاقتصادي. على أن هذه النتائج لا يمكن اعتبارها معبرة عن التوجهات الحالية نحو الإدارة الحكومية والسياسية في تونس، إذ تراجع الحماس في أوساط السكان نحو سعيد.

تسلط هذه النتائج بالأساس الضوء على أمرين: شباب المنطقة – من النظرة الأولى – لا يختلفون في تصوراتهم عن تصورات الفئات العمرية الأكبر؛ وتصورات مواطني المنطقة حول جودة الحياة لا ترتبط حصراً بتصوراتهم عن اقتصاد بلادهم، إذ يشعر الناس في المنطقة بتفاؤل أكثر حول جودة الحياة في المستقبل مقارنة بتصوراتهم عن مستقبل الاقتصاد. بينما تحاول عدة مصادر أن تربط مباشرة بين النمو الاقتصادي وسعادة المواطنين، يطرح هذا المقال إمكانية وجود عوامل أكثر تسهم في تشكيل تصورات المرء عن رفاهه، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولا ترتبط هذه العوامل بالاقتصاد أو تعتمد عليه.

نخرج من هذا إذن بسؤال، حول ما المهم تناوله لكي نفهم تصورات الشباب حول جودة الحياة. بينما يظهر من هذا المقال تشابه وتقارب التصورات حول جودة الحياة والاقتصاد عبر فئات الشباب والأجيال فوق 30 عاماً، فالمقال التالي سوف يستكشف مسألة اختلاف الآراء بحسب الجندر، وكذلك سيبحث في الديناميكيات الخاصة بمختلف الدول بما يساعد في فهم أنماط تصورات الشباب.