في العشرين من مارس/آذار 2003، غزت القوات الأمريكية العراق وأسقطت نظام صدام حسين. من ثم بدأت الولايات المتحدة الأمريكية عملية تحوّل سياسي في العراق، وكان الهدف المُعلن للعملية هو “جلب الديمقراطية“، بما يشمل وضع نظام برلماني وتنظيم انتخابات دورية. منذ ذلك الحين، عانى العراق اضطرابات كبيرة، من بينها المقاومة المسلحة ضد الولايات المتحدة الأمريكية، والنزاع الأهلي، واستيلاء تنظيم الدولة الإسلامية على قطاعات شاسعة من البلاد. اليوم، لا يزال العراق منقسماً بشكل عميق. فحكومة إقليم كردستان العراق تعمل بشكل مستقل إلى حد بعيد عن باقي الدولة، بينما البرلمان في بغداد لا يزال غير موحد، ولم يشكل الحكومة إلا بعد عام على انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2021.
بعد عشرين سنة على الغزو، يقدم الباروميتر العربي إطلالة على درجة تجذّر أو انحسار الديمقراطية في العراق. يبدو بوضوح من النتائج أنه بينما ظل العراقيون ملتزمين بفكرة الديمقراطية حتى مطلع العقد الثاني من الألفية، فإن تشككهم من هذا النظام قد زاد كثيراً في السنوات التالية على عام 2013. الآن، رغم أن أغلب العراقيين ما زالوا يفضلون الديمقراطية، فهم من بين الشعوب الأكثر تشككاً إزاء نظام الحكم هذا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
الالتزام بالديمقراطية
في المجمل، ما زالت نسبة الثلثين (68 بالمئة) من العراقيين تؤكد أنه رغم مشكلاتها، فالديمقراطية تبقى أفضل نظام للحكم. على ذلك، فقد تراجع هذا الرأي 15 نقطة مئوية منذ 2011، حين كانت النسبة 83 بالمئة. كما أن هذا المستوى من الالتزام بالديمقراطية يعد من بين أدنى المستويات عبر 12 دولة شملها استطلاع الدورة السابعة للباروميتر العربي في المنطقة (2021-2022)، حيث مصر (65 بالمئة) والمغرب (54 بالمئة) فقط هما الدولتان اللتان بهما نسبة أقل لدعم الديمقراطية.
يبدو أن السبب الرئيسي لهذا التراجع هو تزايد الشكوك في المزايا الخاصة بالديمقراطية. في 2011، كان الربع فقط (26 بالمئة) من العراقيين يقولون إن الأداء الاقتصادي يكون ضعيفاً في النظام الديمقراطي. في 2013، كانت هذه النسبة 21 بالمئة فحسب. لكن ارتفعت النسبة كثيراً، إلى نصف المواطنين (51 بالمئة) في 2018، ثم بلغت 72 بالمئة في 2022.
وثمة نتائج مماثلة فيما يخص بواعث القلق المرتبطة أحياناً بالديمقراطية. لدى السؤال عما إذا كانت الديمقراطية غير حاسمة ومليئة بالمشكلات، أيد هذه المقولة 3 من كل 10 أشخاص في 2011 (29 بالمئة) وفي 2013 (27 بالمئة). بحلول 2018، تضاعفت النسبة إلى 58 بالمئة، ثم زادت 13 نقطة مئوية أخرى إلى 71 بالمئة في 2022. نفس التوجه نراه في الرأي القائل بأن الديمقراطية غير فعالة في الحفاظ على الاستقرار، إذ زادت نسبة تأييد هذه المقولة من 23 بالمئة في 2011 إلى 70 بالمئة في 2022.
إخفاقات النظام السياسي
يرتبط تزايد قلق العراقيين حول الديمقراطية بقوة، بتطورات الأوضاع في العراق على مدار هذه الفترة. إذ أن تصنيفات المواطنين للأداء الاقتصادي راحت تنحسر منذ 2013، وكانت نفس السنة أيضاً قد شهدت تراجع مستوى قلق المواطنين حول المشكلات المحتملة المرتبطة بالديمقراطية. في ذلك التوقيت، عندما كانت أسعار النفط مرتفعة بمعدلات تكاد تكون غير مسبوقة، صنّف نحو نصف العراقيين (52 بالمئة) الاقتصاد بصفته في وضع جيد أو جيد جداً. وفي عام 2018، قال 21 بالمئة فقط الأمر نفسه، مقابل 26 بالمئة في 2022.
وفي نفس الوقت، فإن معدلات الثقة في الحكومة قد تراجعت كثيراً منذ مطلع العقد الثاني من الألفية. في 2013، أعرب نحو نصف العراقيين (47 بالمئة) عن الثقة في الحكومة، وهي النسبة التي تناهز ضِعف مثيلتها في 2022 (26 بالمئة). كذلك تبين أن الثقة في البرلمان متدنية على طول الخط، إذ أن أقل من 3 من كل 10 أشخاص أعربوا عن الثقة بهذه المؤسسة منذ 2011. بالمقارنة، فإن النظام القضائي (40 بالمئة) والحكم المحلي (33 بالمئة) يتمتعان حالياً بمستوى ثقة أعلى نوعاً ما بين العراقيين، لكن تبقى أقلية من المواطنين هي التي تثق في هذه المؤسسة وتلك.
ثمة مسألة مهمة تضر بمشروعية الحكومة، هي أنه رغم تنظيم الانتخابات، فقلة من الناس تعتبر أنها كانت حرة أو نزيهة بالكامل. في واقع الأمر، قال عدد كبير إنها لم تكن انتخابات حرة أو نزيهة (42 بالمئة) بينما قال 27 بالمئة غيرهم إنها كانت حرة ونزيهة إلى حد بعيد، مع وجود بعض المشكلات. يرى 3 من كل 10 أشخاص (29 بالمئة) لا أكثر أن انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2021 البرلمانية كانت حرة ونزيهة بالكامل.
هناك تحدٍ آخر يقوّض من ثقة المواطنين في المؤسسات العامة، وهو الفساد. إذ يقول 9 من كل 10 عراقيين إن الفساد قائم بقدر كبير أو متوسط في مؤسسات الدولة، وهي النسبة التي لم تتغير تغيراً يُذكر منذ 2011. اليوم، تعد هذه النسبة من بين الأعلى عبر دول المنطقة العشر التي تتوفر فيها بيانات حول هذه المسألة. كما أن الربع (26 بالمئة) في العراق يقولون إن الفساد هو أهم وأكبر تحدٍ يواجه الدولة، وهي نسبة أكبر من النسب التي تعتبر أكبر تحدٍ هو الوضع الاقتصادي أو التدخلات الأجنبية، أو انعدام الاستقرار. ومن بين جميع الدول التي دخلت في استطلاع 2021-2022، هناك دولة أخرى واحدة بلغت فيها تصنيفات المواطنين للفساد نسب أعلى من العراق، الأمر الذي يسلط الضوء على درجة إحساس المواطنين العراقيين حالياً بهذه المشكلة.
ويفاقم إخفاق مؤسسات الحكومة في إمداد المواطنين بالخدمات عالية الجودة من هذه التحديات. إذ أن أقل من 1 من كل 3 مواطنين أعربوا عن الرضا أو الرضا الكامل عن مستوى الخدمات الأساسية، مثل جمع القمامة (31 بالمئة) أو الرعاية الصحية (29 بالمئة) أو التعليم (23 بالمئة)، أو حالة الشوارع والطرق (22 بالمئة). وكانت تصنيفات المواطنين لأداء الحكومة في تضييق فجوة الثروة بين الأفراد (22 بالمئة) والحد من التضخم (19 بالمئة) مماثلة.
ماذا يريد العراقيون من نظامهم السياسي؟
بعد عشرين سنة على سقوط نظام صدام حسين، يبحث العراقيون عن نظام سياسي قوي يقدم النتائج. رغم أنهم يؤكدون أن الديمقراطية هي أفضل نظام للحكم، فهناك أغلبية واضحة مستعدة لقبول نظام بديل للحكم إذا كان سيأتي بنتائج تحسّن من الوضع القائم. على سبيل المثال، قال ثلاثة أرباع المواطنين إنه لا يهم إذا كانت الدولة ديمقراطية أو غير ديمقراطية طالما الحكومة قادرة على حفظ الاستقرار. ومن بين جميع الدول التي شملها الاستطلاع، فهذه هي النسبة الأعلى، ومماثلة للنسبة في ليبيا؛ الدولة التي تمر بنزاع أهلي.
ورداً على مقولة أنه إذا كان بإمكان الحكومة حل المشكلات الاقتصادية فلا يهم نوعها، أيد هذه المقولة 8 من كل 10 أشخاص (79 بالمئة). هذا بدوره هو أعلى مستوى تأييد لهذه المقولة عبر الدول التي شملها الاستطلاع، وهو أعلى بقليل من النسبة في كل من تونس وليبيا. وأخيراً، رداً على مقولة إذا كانت البلاد بحاجة لقائد قادر على الالتفاف حول القواعد لإنجاز المطلوب، أبدى التأييد نحو 9 من كل 10 عراقيين، وهي نسبة أعلى قياساً إلى مثيلتها في أية دولة أخرى جرى فيها الاستطلاع.
بعد سنوات من الاضطرابات الأهلية، يستمر العراقيون في اعتقادهم بأنه لا يوجد نظام أفضل من الديمقراطية، لكنهم أيضاً متعبون من النظام السياسي الذي نشأ في 2005 لتحقيقها. إن إحباطات الناس من الاقتصاد وعدم قدرة الحكومة على ضمان الاستقرار، واستشراء الفساد، والوضع المتدهور للخدمات العامة، هي ظواهر كانت لها آثارها العميقة على الناس. لم تؤد الانتخابات إلى مجيئ حكومات قادرة على التصدي للمشاكل الجذرية، أو لم يتحقق هذا على الأقل بالنسبة للمواطنين كافة. نتيجة لهذا، يفقد المواطنون ثقتهم في النظام السياسي، ويبدو أنهم يلومون الديمقراطية على بعض هذه الإخفاقات، بما يشمل الأداء الاقتصادي الضعيف، والوضع الأمني الهش في العراق.
إن معالجة المشكلة تحتاج إلى تغييرات كبيرة. يفضّل نصف العراقيين تقريباً (45 بالمئة) إدخال إصلاحات سياسية كبرى بشكل فوري، بينما يرى 45 بالمئة أن الإصلاحات يجب أن تكون تدريجية أكثر. إذن يبدو – مع الجمع بين هذه النسبة وتلك – أن جميع المواطنين تقريباً يؤيدون فكرة الحاجة للإصلاح. إذا أدخل النظام السياسي تحسينات ملموسة على حياة المواطنين، فمن المرجح أن ترجع الثقة في الديمقراطية كنظام للحكم. وإذا لم تحدث هذه التغيرات، فسوف تزيد احتمالات أن يستمر انحسار دعم الناس للديمقراطية على مدار السنوات المقبلة.