عقب أشهر طويلة من الانسداد السياسي، يلوح في الأفق السياسي الليبي جسم جديد. في السابع والعشرين من فبراير 2023، أعلن المبعوث الأممي إلى ليبيا، السيد عبد الله باتيلي، في إحاطة أمام مجلس الأمن عن عزمه “إنشاء لجنة تسيير رفيعة المستوى للانتخابات في ليبيا.” خطة باتيلي تهدف إلى الدفع بعملية إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في البلاد خلال العام الجاري. مشيراً إلى فشل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في التوافق على قاعدة دستورية، نوّه المبعوث الأممي إلى استناده على مواد الاتفاق السياسي الليبي الموقّع في 2015 لتجاوز المجلسين. في إحاطته أمام مجلس الأمن، قال باتيلي إن “أمد العملية السياسية طال أكثر من اللازم، ولم تعد هذه العملية تلبي تطلعات الليبيين.” استطلاعات الدورة السابعة من الباروميتر العربي في ليبيا توضح أن الليبيين مستاؤون من قياداتهم.
تشير آخر استطلاعات الباروميتر العربي في ليبيا – والتي أُجريت بين فبراير وأبريل من العام 2022 – إلى أن ثقة المواطنين في الأجسام السياسية الحالية منخفضة للغاية. في حالة مجلس النواب، 15 بالمئة فقط من الليبيين يقولون إنهم يثقون بالمجلس إلى درجة كبيرة أو يثقون به. في المقابل، تقول الأغلبية الساحقة إن لديهم ثقة قليلة (33 بالمئة) أو إنهم لا يثقون على الإطلاق (50 بالمئة) بالمجلس. كذلك، تقول الغالبية إن لديهم ثقة قليلة (24 بالمئة) أو لا ثقة على الإطلاق (46 بالمئة) بالمجلس الأعلى للدولة. ربع الليبيين فقط تقريبا (27 بالمئة) يقولون إنهم يثقون بالمجلس الأعلى إلى درجة كبيرة أو يثقون به.
قال السيد باتيلي إنه “إلى اليوم، لم ينجح مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في التوافق على قاعدة دستورية للانتخابات،” وهو الأمر الذي كان من المفترض أن ينجزه المجلسان قبل عامين، بحسب خارطة الطريق تونس – جنيف 2020. فشل المجلسين سابقاً دفع الأطراف المحلية والدولية الفاعلة إلى البحث عن بدائل. في 2020، شكلت الأمم المتحدة ملتقى الحوار السياسي الليبي (لجنة 75) للاتفاق على خارطة طريق جديدة. نجحت لجنة 75 في إصدار خارطة الطريق في العام 2020 واختارت سلطة تنفيذية جديدة في بداية العام 2021. ورغم عدم استمرارها في العمل منذئذ، لا تزال اللجنة تحظى بثقة شعبية أكبر من الثقة في مجلسي النواب والأعلى للدولة. بعيداً عن الأغلبية، يقول ثلاثة من كل عشرة ليبيين إن لديهم ثقة كبيرة (10 بالمئة) أو ثقة (19 بالمئة) في اللجنة. تبدو مبادرة المبعوث الأممي الأخيرة لتشكيل لجنة تسييرية رفيعة المستوى وكأنها تكرار لفكرة ملتقى الحوار السياسي. رغم تفاؤلهم، أعرب مسؤولون وخبراء ليبيون – من بينهم ممثل ليبيا في الأمم المتحدة – عن تخوفهم من مبادرة باتيلي ودعوا المبعوث الأممي إلى الاستفادة من التجارب السابقة وعدم تكرار أخطائها. لا شك أن مبادرة السيد باتيلي ستحرك المياه الراكدة في ليبيا، ولكن يبقى مدى إمكانية نجاحها أمرًا مجهولاً، خصوصاً في ظل انتظار الليبيين لإفصاح أكبر حول ما يتصوره السيد باتيلي لهذه اللجنة.