يظهر من تقرير أوكسفام لعام 2020 – الذي كُتب وصدر قبل جائحة كوفيد-19 – أنه إذا تم دفع مقابل مادي للنساء على عملهن غير المدفوع الأجر، سوف يناهز المبلغ 11 تريليون دولار على مستوى العالم. من المرجح أن يتباين هذا المبلغ بحسب نسبة النساء اللاتي يعملن في الوقت الحالي بوظيفة عبر مختلف المناطق في العالم. لكن معدل مشاركة النساء في قوة العمل المأجور في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في 2021 الذي بلغت نسبته 18 بالمئة يبين أن مستوى مشاركة النساء في قوة العمل المنطقة هو الأدنى في العالم. وقد تراجعت النسبة بعد أن بلغت 21 بالمئة (وهي النسبة الأعلى عبر 25 عاماً، وتحققت في 2016). تنفق نساء المنطقة وقتاً أكبر بواقع عشر أضعاف الوقت الذي ينفقه الرجال على أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر، وتقمن بـ 4.7 أضعاف العمل غير مدفوع الأجر مقارنة بالرجال. لكن هل يعتقد المواطنون والمواطنات بأن على النساء الاضطلاع بهذا العمل؟
تتحدى نتائج الباروميتر العربي في 12 دولة شملها استطلاع الدورة السابعة (2021 – 2022) جزئياً التوقعات حول أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر في المنطقة، حيث يُفترض في العادة أن رعاية الأطفال – بما يشمل مساعدتهم في الفروض المدرسية – مسألة موكلة حصراً إلى النساء. يظهر من الاستطلاع أن أغلب المواطنين يؤمنون بأن مساعدة الأطفال على الدراسة هي مسؤولية يجب أن يتشارك فيها الرجال والنساء في البيت، بغض النظر عمّن يتولى هذه المسؤولية فعلياً حالياً. لكن التوقعات الأبوية باقية فيما يخص القرارات المالية: في أغلب الدول، تبين أن أكبر قطاع من المواطنين يرى أن الرجل وحده هو الذي يجب أن يتحمل مسؤولية الميزانية والإنفاق على احتياجات الأسرة.
وتختلف التصورات حول “مِلكية” هذه المسؤوليات كثيراً (وبشكل متوقع تقريباً) بين الرجال والنساء، وبين الأعلى والأقل تعليماً، والموظفين والموظفات. فمن الأرجح أن تؤيد النساء ومعهن من حصلوا على مستويات تعليمية أعلى فكرة تشاطر رب الأسرة هذه المسؤولية بالتساوي مع الأم مقارنة بالرجال والأقل تعليماً. وبالمقارنة مع الرجال العاملين بأجر، أيدت النساء العاملات بأجر بشدة فكرة المساواة في القرارات الخاصة بالميزانية والإنفاق على وجه التحديد.
لكن الأمر اللافت حقا هو الاختلافات بين النساء أنفسهن. في أغلب الدول، تبين أن ربات البيوت (اللواتي لا تعملن بوظائف مأجورة) أكثر إقبالاً من النساء العاملات بأجر على القول بأن الأم هي التي يجب أن تتولى مسؤولية دراسة الأطفال، بينما يتولى الأب مسؤولية الميزانية والإنفاق على احتياجات العائلة. في الوقت نفسه، فإن النساء الموظفات هن الأكثر إقبالاً من ربات البيوت على القول في هذا الملف وذاك بتشارك المسؤولية بين الأب والأم.
يظهر من هذه النتائج أن النساء خارج سوق العمل المأجور تؤيد بعض المعايير المقترنة بنوع الجنس بنفس قدر تأييد الرجال لها أو أكثر،. فالرجال أكثر إقبالاً بقدر طفيف من النساء على اعتبار مساعدة الأطفال على الدراسة مسؤولية الأم باستثناء الآراء في مصر، حيث أيدت أقلية من الرجال هذه الفكرة. على ذلك، فالرجال – مثل ربات البيوت – يقبلون أكثر بكثير على القول بأن رب الأسرة هو الذي يجب أن يتولى القرارات المالية. يُلاحظ أن هذا الاصطفاف في الآراء بين ربات البيوت والرجال قد لا يرجع حصراً إلى افتقار ربات البيوت للقدرة على الاختيار، إنما قد يشير- على النقيض – إلى إحساسهن بتأثيرهن وملكيتهن لأدوار ومسؤوليات معينة.
تبرز أهمية هذا التأكيد على وجهات النظر من مسألة تقسيم العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وإن جزئياً بسبب الأثر الذي خلفته جائحة كوفيد على النساء. في فصل من كتاب نُشر مؤخراً ، استخدم باحثو الباروميتر العربي بعض نتائج الدورة السادسة لتسليط الضوء على الآثار السلبية التي خلفتها الجائحة في هذه المنطقة – كما في أماكن أخرى من العالم –على عمل النساء المدفوع الأجر أو غير المأجور على حد سواء. إذ أدت الجائحة إلى التشبّث بالقناعات السائدة حول مسؤوليات المرأة المنزلية، وزادت من العمل غير مدفوع الأجر من ناحية، وتسببت في الوقت نفسه – من ناحية أخرى –بانتكاسات عانت منها النساء تحديدا بشكل مفرط دون سواهن في سوق العمل المأجور.
إن اقتصاد الرعاية، الذي يُعرّف عموماً بصفته الخدمات المقدمة لرعاية مختلف شرائح السكان، مثل الأطفال والمسنين، يشمل مهاماً مثل تنظيف البيوت وشراء البقالة والمساعدة في التعليم والرعاية الصحية. عندما يتم هذا العمل منزلياً أو في البيوت، فإن أغلبه يكون غير مدفوع الأجر ويُنظر إليه بصفته عمل غير مُنتِج. كذلك تتحمل النساء أغلبه. كون هذا القطاع مصنف كقطاع غير رسمي يعد فرصة مُهدرة على التنمية الاقتصادية، إذ يعد اقتصاد الرعاية مساراً معروفاً لتهيئة فرص العمل ولتحقيق آثار إيجابية كبيرة على إجمالي الناتج المحلي للدول. حمّلت الجائحة هذا الجزء ” الأقل حضورا” من الاقتصاد عبئا كبيرا لكن عبء الجائحة على عمل قطاع الرعاية غير مدفوع الأجر حظي باهتمام أقل من الاهتمام الذي حظي به العمل في قطاع الرعاية المدفوع الأجر (الذي تتحمل النساء العبء الأكبر فيه أيضا).
هناك توجه واحد على الأقل من التوجهات السائدة إبان جائحة كوفيد قد استمر: أغلب ربات البيوت في سبع من بين 12 دولة اشتمل عليها تقرير الدورة السابعة للباروميتر العربي أفدن بأن كمية العمل المنزلي المترتب عليهن قد استمرت في التزايد منذ بداية الجائحة. لكن في عدة دول، صاحب تقارير تزايد مسؤوليات العمل المنزلي التي تتحملها النساء تراجع في تأييد مقولة أن الرجال يجب أن يكون لهم القول الفصل في القرارات الأسرية. في كل من مصر ولبنان والعراق والأردن، يعد التراجع في تأييد هذه المقولة أكبر بكثير في أوساط النساء عموما منه في أوساط الرجال.
ولا تستثنى ربات البيوت من هذا التوجه. إذ انخفض دعم فكرة أن تكون للرجال الكلمة الأخيرة في القرارات التي تخص الأسرة بواقع ٢٢ نقطة في لبنان و٢١ نقطة في الجزائر و١٤ نقطة في تونس و١٠ نقاط في السودان بين فئة النساء اللواتي تتحملن غالبا المسؤولية عن مهمة الرعاية غير مدفوعة الأجر. ويبدو أن الجائحة خلّفت أثرا ينطوي على مفارقة: فبينما زادت الجائحة من عمل النساء في المنزل، اقترنت هذه الزيادة بارتفاع في درجة الوعي بحقيقة مفادها أن مثل هذا العمل، وإن كان غير مدفوع الأجر، يجعل النساء جديرات بالبت في قرارات تخص الأسرة.
إذ أفاد نصف المواطنين تقريباً – أو أكثر – في تسع من بين 12 دولة إن الأب والأم يجب أن يتحملا بالتساوي مساعدة الأطفال على الدراسة. وفي مصر فقط، تقول الأغلبية إن هذه المهمة يجب أن تقع على عاتق ربة البيت حصراً. تتباين هذه النتيجة بحسب النوع الاجتماعي ومستوى التعليم. إذ يعتبر الرجال في مصر بزيادة قدرها (+12 نقطة مئوية) أن هذه المهمة يجب أن تقع على عاتق ربة البيت حصراً، في حين يقل احتمال أن يعتبر الحاصلون على شهادات جامعية أن هذه المهمة يجب أن تقع على عاتق ربة البيت بواقع 6 نقاط مئوية.
على النقيض، لدى السؤال عن الميزانية والإنفاق على الأسرة، تؤكد النتائج أن التوقعات الأبوية المُسبقة لا تزال سارية. عزى نصف المواطنين تقريباً أو أكثر في تسع دول هذه المسؤولية إلى رب الأسرة. نرى الاستثناء في لبنان والأردن وتونس، حيث طعنت أعداد كبيرة في لبنان والأردن وأغلبية صريحة في تونس في هذه التوجهات.
وتتباين الآراء حول “ملكية” هذه المسؤولية المالية كثيراً بحسب النوع الاجتماعي، لكنها مسألة محل استقطاب كبير على امتداد خطوطه في خمس دول. إجمالاً، الرجال هم الأكثر إقبالاً على التفكير في أن رب الأسرة هو الذي يتحمل مسؤولية الميزانية والإنفاق، بينما النساء أكثر إقبالاً على القول بضرورة تشارك تلك المسؤولية. في العراق، يقبل الرجال أكثر بواقع 21 نقطة مئوية على القول بتحمل الرجال المسؤولية، بينما النساء يقلن بواقع 17 نقطة مئوية أكثر إنها مسؤولية مشتركة بين الأب والأم. وثمة 15 نقطة مئوية من الاختلاف بين تقديرات النساء والرجال في مسألة تحمل الرجال مسؤوليات مالية أكبر في كل من مصر وتونس؛ فالنساء يقبلن بواقع 10 و13 نقطة مئوية أكثر على التوالي في البلدين على الإيمان بضرورة تشارك الأب والأم المسؤولية. نفس النسق نراه في كل من الأردن (+14 نقطة مئوية أكثر من الرجال في الرأي حول مسؤولية الرجل؛ +11 نقطة مئوية أكثر من النساء في الرأي بتشارك المسؤولية) والمغرب (+13 نقطة مئوية رجال؛ +11 نقطة مئوية نساء).
والأمر أكبر فيما يخص الاختلاف في الآراء بين الموظفين والموظفات إزاء مسؤوليات صناعة القرار المالي في الأسرة. في جميع الدول باستثناء موريتانيا، تبين أن النساء العاملات في وظائف وفي أعمال حرة مأجورة يقبلن أكثر من الرجال الموظفين وفي أعمال حرة مأجورة على القول بأن رب وربة الأسرة يجب أن يتحملا مسؤولية الميزانية والإنفاق. تتراوح هذه الفجوة بين الجنسين بين 8 بالمئة في السودان و32 بالمئة في العراق. وتشير هذه الاختلافات الكبيرة إلى إمكانية أن تصبح النساء بدخول قوة العمل المدفوع الأجر أكثر تمكيناً ويتوقعن أن يكون لهنّ نفس القول في المسؤوليات الأسرية، لا سيما ما يخص الإنفاق والميزانية.
وبينما قد تلعب المعايير الجندرية دوراً هنا، هناك عوامل أخرى يجب تدبرها. إذ يصبح الوقت المتاح للنساء الموظفات للعمل المنزلي أقل، وتتمتعن بحرية مالية أكبر في تكليف الغير ببعض المسؤوليات مقابل أجر. ويعني ذلك لصاحبات الدخل الكبيراستخدام عاملات منزليات عبر نظام الكفيل مثلاً في دول الخليج وفي لبنان والأردن. ونظام الكفيل هو الذي يتم استخدام العاملات المنزليات بموجبه تحت ظل كفيل، للعيش والعمل في الدولة المضيفة. هؤلاء العاملات عادة ما يعشن في بيوت أصحاب العمل كمربيات وطاهيات وعاملات نظافة. ونادراً ما يكون لديهن أي توصيف وظيفي واضح وأغلبهن من النساء.
لكن استخدام عاملات منزليات سيف ذو حدين. بينما قد يغيّر دخول النساء لقوة العمل من اختلال ميزان القوة بين الرجال والنساء ويتحدى المعايير الجندرية في البيت، يعزز استخدام عاملات منزليات من اختلال الموازين الجندرية على المستوى المجتمعي.
تتحدى نتائج الدورة السابعة التصورات القائمة حول تشارك مسؤوليات رعاية الأطفال، وفي الوقت نفسه تعزز منها فيما يتعلق بالميزانية والإنفاق على الأسرة، من حيث اعتبار أنها مسؤوليات رجل البيت. وتعقّد أكثر من الآراء حول هذه المسألة اعتبارات النوع الاجتماعي والتعليم والحالة الوظيفية. إن النتائج المذكورة التي تؤكد التوقعات أحياناً وتتحداها أحياناً أخرى، تسلط الضوء على أهمية ضبط المقاربات المستخدمة لفهم المعايير الجندرية في المنطقة، والتدقيق فيها. يستدعي ذلك النظر إلى هذه المسارات ضمن السياق الفردي والسائد في بلد بعينه. كما تشير النتائج إلى خطط عمل هامة يمكن أن تكون مجالا محتملا للبحث مستقبلا حول الآثار التي يخلفها تشغيل عاملات المنازل مثلاً – بموجب نظام الكفيل أو غير ذلك – على أعمال الرعاية وتوزيع المسؤوليات الأسرية.