من بين جميع الأزمات التي ابتُليت بها دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مدار العقد الماضي، تنفرد جائحة كوفيد-19 بخاصيّة واحدة على الأقل ألا وهي أن الحكومة في كل دولة من دول المنطقة لم تكن المسبب الأساسي لها. لكن إدارة الجائحة كانت مسؤولية الحكومة الأساسية، وتبين أن تقييم المواطنين في عدد من دول المنطقة لأداء الحكومة كان متباينا. ففي حين شعر المواطنون في كل من الجزائر والأردن والمغرب بقدر نسبي من الرضا عن تعامل حكوماتهم مع الجانب الصحي للأزمة، شعر المواطنون في لبنان وليبيا وتونس بتقصير حكوماتهم تجاههم.
لذا قد تمثل الجائحة فرصة لحكومات المنطقة لإعادة بناء علاقة الدولة بالمجتمع. ولعل من المبكر أن نعرف إن كانت الحكومات قد استطاعت القيام بذلك أم لا. لكن المفارقة هي أنه بغض النظر عن النوايا، تضررت قدرات الحكومات على إدارة الأزمة بسبب التجاوزات التي ارتكبتها في الماضي؛ لقد فاقمت الجائحة من المشكلات التي كانت قائمة، والتي كان سببها في المقام الأول إهمال الحكومة في أفضل الحالات، والفساد في أسوأها. ولم يكن قطاع الرعاية الصحية استثناءً لهذه القاعدة.
تواريخ إجراء الاستطلاع الميداني للموجة السادسة من الباروميتر العربي – 2020 |
||
الجزء الأول | الجزء الثاني | |
تونس | 07. 28 – 07.24 | 10.15 – 10.06 |
المغرب | 08.04 – 07.28 | 10.15- 10.07 |
الجزائر | 09. 05 – 08.15 | 10.19 – 10.12 |
ليبيا | 09.29 –08.15 | 10.27 – 10.19 |
الأردن | 09.25 – 09.19 | 10.30 – 10.06 |
لبنان | 10.09 – 09.29 | 10.25 – 10.12 |
تبين في الدول الست المشمولة بالجزأين الأول والثاني من الدورة السادسة للباروميتر العربي أن القلق إزاء انتشار فيروس كورونا مرتفع، وأنه إما بقي مرتفعا أو ازداد بين صيف وخريف 2020. يظهر هذا التزايد في القلق بقوة في كل من تونس والمغرب، حيث سُجلت زيادة في معدلات قلق الناس بلغت بين 20 و10 نقاط في كل منهما على التوالي، تليها زيادة أقل بنسبة 5 بالمئة في الأردن. ولا تزال الأغلبية في الجزائر ولبنان وليبيا تعرب عن قلقها تجاه ذلك، وإن طرأت ثمة تغيرات طفيفة لا يعتد بها إحصائياً في هذه البلدان.
لكن ما له مدلول أهم من مستوى قلق المواطنين أو التغير فيه، هو المنطق الأساسي وراء وجود هذا القلق أو انعدامه. لقد شهدت ثلاث دول على الأخص ارتفاعا هائلا في معدلات الإصابة بالعدوى بين اليوم الأخير من العمل الميداني في الجزء الأول للدورة السادسة، واليوم الأخير من الجزء الثاني. ارتفعت أعداد الإصابات من 1468 إلى 34790 إصابة في تونس، ومن 7211 إلى 69360 إصابة في الأردن، ومن 27217 إلى 163650 إصابة في المغرب. وبالمثل، أفادت أكبر شريحة من المواطنين في البلدان المذكورة من يوليو/تموز حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2020 بأن أول وأكثر ما يقلقهم هو أن يمرض أحد أفراد الأسرة أو يسقط ضحية لفيروس كورونا. وتتراوح النسبة بين 24 بالمئة في الأردن و47 بالمئة في لبنان، في الجزء الثاني من البحث الميداني للدورة السادسة. وكان من المرجح أن تختار النساء هذا السبب للقلق أكثر من الرجال، وهن في العادة اللواتي يقمن برعاية أسرهن.
يُلاحَظ أن أقليات صغيرة (أقل من 7 بالمئة في كافة بلدان الجزء الأول وأقل من 9 بالمئة في الجزء الثاني) أفادت بأن تعامل الحكومة غير المناسب هو السبب الرئيسي لقلقهم، لكن يكاد ذلك يقصر عن كونه مؤشرا على الدعم الضمني لكافة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة للتعامل مع الجائحة. ونظرا لوجود مشكلات بنوية لا يمكن التصدي لها ببساطة دون تغيير منهجي، لجأت الكثير من حكومات المنطقة إلى أداة تعرفها جيداً: قانون الطوارئ. إذ أعلنت دول من المغرب إلى الأردن حالة الطوارئ في أعقاب انتشار الجائحة. وشعرت قلة قليلة من المواطنين توجست من منزلقات الماضي وتمديد حالة الطوارئ لأجل غير مسمى بأنها قد تتسامح تجاه تدابير مثل فرض الرقابة على الإعلام ومراقبة المواطنين وتعقب أماكن تواجدهم في سبيل السلامة العامة. وإجمالاً، تبين أن الأردنيين هم الأكثر تقبلا لمثل هذه الإجراءات، إذ أفاد 44 و45 بالمئة من الأردنيين أنهم يقبلون أن تفرض حكوماتهم هذه التدابير.
ما حدث هو أن قلق المواطنين تحول مع الوقت من شعور بالإحباط بسبب عدم اتباع أبناء وطنهم للتعليمات الحكومية، إلى القلق حول قدرة المنظومة الصحية في بلدهم على تحمل ضغوط ازدياد عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا. وفي حين تضاءلت نسب المواطنين الذين ذكروا “صحة” منظومة الرعاية الصحية كمبعث للقلق في الدول كافة، كان التغيّر في هذه النسبة على مرّ الوقت ملحوظا، إذ زادت النسبة ثلاثة أمثال في المغرب، وتضاعفت في تونس، وزادت كثيراً في لبنان.
يواكب تزايد القلق تجاه “صحة” منظومة الرعاية الصحية تراجعاً في الثقة بالمنظومة الصحية وبتعامل الحكومة مع أزمة فيروس كورونا. يظهر هذا التوجه في أجلى مظاهره في كل من تونس ولبنان وليبيا، حيث كان الشعور بالقلق كبيرا ومتصاعدا، في حين كان تقييم الناس لمنظومة الرعاية الصحية متدنيا ويتراجع باستمرار. واجه كل من لبنان وليبيا الجائحة على خلفية أزمات أخرى قائمة: الانهيار المالي وانفجار مرفأ بيروت في لبنان، والحكومات المتنافسة مع استمرار النزاع المسلح على الأراضي في ليبيا.
شهد لبنان أعلى نسبة قلق إزاء انتشار فيروس كورونا) تجاوزت 80 بالمئة في الاستطلاعين) وأقل نسبة رضا عن منظومة الرعاية الصحية (13 بالمئة). وفي ليبيا، تراجع تقييم المنظومة الصحية من 37 إلى 26 بالمئة، وتراجع معه من 43 إلى 34 بالمئة الرضا عن أداء الحكومة في التعامل مع الأزمة. وبالمثل، ومع تراجع الرضا عن منظومة الرعاية الصحية من 38 إلى 25 بالمئة بين يوليو/تموز وأكتوبر/تشرين الأول 2020 في تونس، تراجع تقييم التعامل الحكومي مع الجائحة بأكثر من النصف، إذ أصبح 24 بالمئة بعدما كان 58 بالمئة خلال الفترة نفسها. وحتى في الأردن الذي كان فيه رضا المواطنين عن الرعاية الصحية مرتفعا، طرأ تراجع بنسبة 8 بالمئة، مصحوبا بتراجع بنسبة 7 بالمئة في تقييم تعامل الحكومة مع الأزمة.
ولا يقف الترابط بين أداء منظومة الرعاية الصحية وتعامل الحكومة مع الجائحة عند هذا الحد. لقد بقي تقييم منظومة الرعاية الصحية وتعامل الحكومة مع كوفيد ١٩ على حاله في المغرب. وفي الجزائر – حيث تواجه منظومة الرعاية الصحية تحديات مع أنها لا تزال تعتبر من أفضل منظومات الرعاية الصحية في إفريقيا زادت النسبة من 47 إلى 65 بالمئة، بواقع 13 نقطة مئوية في الرضا عن تعامل الحكومة مع الجائحة. (يُلاحظ أن الجزأين الأول والثاني من الدورة السادسة انتهيا في الجزائر بعد ذروة يوليو/تموز 2020، وقبل ذروة نوفمبر/تشرين الثاني 2020).
وبغض النظر عن آراء المواطنين عن منظومات الرعاية الصحية في الدول المشمولة بالاستطلاع، هناك إجماع على دعوة الحكومات إلى إيلاء مزيد من الاهتمام لهذا القطاع. وباستثناء الأردن، وهي مقصد إقليمي ذائع الصيت للسياحة الطبية، فإن أعدادا كبيرة من المشمولين بالاستطلاع في الدول المذكورة (أو أغلبية واضحة في حالة لبنان) رأوا أن على الحكومات أن تضع الرعاية الصحية على رأس سلم أولوياتها خلال السنة المالية المقبلة، لتتفوق بذلك على التعليم والأمن الوطني والقضايا البيئية والطرق والمواصلات ودعم الطاقة. وتتراوح نسب الراغبين في زيادة الإنفاق على الصحة من 44 بالمئة في ليبيا إلى 54 بالمئة في لبنان.
وفي ظل التوزيع الجاري للقاح، فمن المرجح أن تبدأ المخاوف الصحية بسبب فيروس كورونا في الانحسار لتفسح الطريق أمام مشكلات أخرى فاقمت الجائحة من حدتها كالركود الاقتصادي والقصور في التعليم. لكن أداء الحكومات في التصدي للجائحة لن يُنسى، ولن تعود التقييمات تلقائيا إلى سابق عهدها لمجرد انحسار الأزمة الصحية.
ما يزال العمل الميداني على استطلاعات الجزء الثالث من الدورة السادسة للباروميتر العربي جارٍيا أثناء نشر هذه السطور، باستثناء دولة واحدة تم الانتهاء فيها من العمل الميداني، وهي تونس. وبينما تراجع القلق هناك إزاء انتشار فيروس كورونا من 79 بالمئة في أكتوبر/تشرين الأول 2020 إلى 56 بالمئة في مارس/آذار 2021، يبقى ارتباط تقييمات الرعاية الصحية والاستجابة للجائحة قائما. تجاوزت هذه النسب 30 بالمئة بقليل لكنها لا تزال زيادة طفيفة..
لذا حريٌّ بحكومات المنطقة أن تتذكر أن تركة التقاعس وانعدام الكفاءة لا تُنسى بسهولة؛ سيتذكر كثيرون كل روح أزهقت بسبب فيروس كورونا وسيبقى في نفوسهم سؤال مُلِحٌّ: هل كان في الإمكان أفضل مما كان؟