يُنظر إلى كوفيد-19 بصفته مبعث للاضطراب، وأيضاً مُعجّل ومحفز للابتكار والتقدم في مجالات مختلفة في شتى أنحاء العالم. لكن أثره على حقوق النساء والمساواة بين الجنسين على مستوى العالم تمثّل في إبطاء إعمال تلك الحقوق، لا التعجيل به. حذّرت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة أمينة محمد، من أنه في غياب التحرك العاجل، “يمكن أن تؤدي الجائحة إلى انتكاسة في حقوق المرأة تستمر لعقود”. ويؤكد استطلاع الرأي العام الأخير الذي أجراه الباروميتر العربي عبر خمس دول في العالم العربي، أن النساء العربيات عانين أكثر، اقتصادياً واجتماعياً. من ثم، فإن خطط الاستجابة والتعافي يجب أن تُعلي أولوية دعم وحماية النساء في المنطقة. وإلا، فإن تأثير كوفيد قد يشمل “انتكاس التقدم المحدود الذي شهدناه فيما يخص المساواة بين الجنسين ومشاركة النساء في قوة العمل والسلوكيات الإيجابية إزاء بعض حقوق المرأة ودور النساء في المجتمع في العالم العربي”.
العواقب الاقتصادية لكوفيد-19 على النساء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
قبل انتشار جائحة كوفيد-19، كانت مشاركة النساء في قوة العمل أقل بصورة غير متناسبة (21%) من مشاركة الرجال بالعالم العربي (70%). ثم جاءت الآثار الاقتصادية للجائحة، لتزيد من التهديد اللاحق بالأمن المعيشي وضمان الدخل للنساء العربيات. رغم أن نتائج الباروميتر العربي تُظهر أنه وبشكل مجمل فقد عدد قليل من المواطنين في الدول المشمولة بالاستطلاع أعمالهم بسبب الجائحة؛ فإن أشخاص أكثر قد عانوا من الاضطرابات المؤقتة في العمل. لكن في الحالتين، تتحمل النساء نصيباً غير متناسب من مشكلات العمل. ففي المغرب، بلغ الفارق بين النساء والرجال الذين خسروا أعمالهم بصورة دائمة 8 نقاط مئوية، فيما بلغت النسبة في الجزائر وتونس 4 نقاط. بالمثل، فالنساء هن الأكثر عرضة لخسارة أعمالهن مؤقتاً في الجزائر(11 نقطة مئوية أكثر من الرجال) وكذلك الأمر في تونس (8 نقاط مئوية).
تكشف النظرة المُدققة إلى الأرقام عن أوجه تفاوت أكبر. فالتدهور الاقتصادي بسبب الجائحة ربما أصاب النساء العربيات أكثر مما أصاب الرجال، لكن الأثر كان أقوى على النساء الأفقر. لوحظ أيضاً وجود تفاوتات بناء على سن ومستوى تعليم النساء، فيما يخص الخسارة المؤقتة والدائمة للعمل، رغم أن النسب بناء على هذه المحددات تتفاوت من دولة إلى أخرى، من بين الدول المُستطلعة.
أثر الجائحة على الحياة الاجتماعية للنساء العربيات
لم تقتصر عواقب كوفيد على النساء العربيات على الملف الاقتصادي فقط، فالجائحة أثرت بقوة على الحياة الاجتماعية للنساء العربيات أيضاً. كان للمخاوف الصحية بسبب كوفيد، وفرض حظر التجوال، وإغلاق المدارس وزيادة المتطلبات في الأسرة والبيت – وهي في الأغلب الأعم مسؤوليات النساء في المنطقة – آثار بليغة على النساء العربيات. ففي أربعة من الدول الخمس المشمولة بالاستطلاع، قال نحو ثلث المواطنين أن أكبر باعث قلق لديهم إزاء كوفيد هو وفاة أحد أفراد الأسرة، وعدم اتباع المواطنين للتوصيات والتعليمات، بحسب الدورة السادسة من الباروميتر العربي. لبنان هو الاستثناء الوحيد، حيث أعرب الثلثان عن القلق إزاء وفاة أحد الأقارب، مقارنة بـ 5 بالمئة فقط قالوا إن المواطنين لا يتبعون التوصيات. لكن تعاني النساء من مستوى أعلى من القلق والتوتر إزاء الحالة الصحية لأفراد الأسرة مقارنة بالرجال. في الدول الخمس المُستطلعة، قالت نساء أكثر من الرجال إنهن قلقات إزاء مرض أو وفاة أحد أفراد الأسرة، وكانت أكبر نسبة تباين في تونس (19 نقطة) والأردن (18 نقطة)، في حين بلغ التباين في لبنان بين الرجال والنساء حول هذا السؤال 9 نقاط، وبلغ 8 نقاط في كل من الجزائر والمغرب.
أثر الجائحة المتضخم على سلامة النساء العربيات
فضلاً عن المذكور، تبين أن للجائحة أثر متضخم على سلامة النساء العربيات ورفاههن. أشار تقرير صدر مؤخراً عن “اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا” بالأمم المتحدة إلى الزيادة الهائلة في معدلات العنف الجنساني في العالم العربي، في سياق أزمة كوفيد-19. بالنسبة للنساء العربيات العالقات في علاقات عنيفة، اضطرت الأزمة الكثيرات إلى البقاء في البيوت مع من يسيئون إليهن، ما زاد من احتمالات التعرض لحوادث عنيفة. تعزز نتائج الباروميتر العربي أيضاً من صحة هذه الحقيقة؛ إذ تكشف النتائج عن أن المواطنين يرون أن العنف ضد النساء في مجتمعاتهم قد زاد منذ اندلاع جائحة كورونا. كانت أعلى نسبة مواطنين رأوا أن الإساءة والعنف ضد النساء زادا، في تونس (63%) ثم الجزائر والمغرب (41%)، في حين بلغت نسبة من يتصورون أن العنف الجنساني قد زاد في الأردن 27%، وبلغت النسبة 20% في لبنان.
في واقع الأمر، وكما ذكرت في تدوينتي السابقة حول العنف الأسري أثناء انتشار كوفيد-19 بالمنطقة، فالنساء المعرضات للخطر في العالم العربي اللاتي يلتمسن السلامة والحماية أثناء فترات الحجر المطول، ليس أمامهن إلا خيارات زائفة. هذا بالأساس نتيجة لإخفاق الحكومات العربية في إعلاء أولوية دعم النساء وحمايتهن في إطار خطط التعافي والتعامل مع آثار الجائحة. على أن الوضع مقلق أكثر بالنسبة إلى الضحايا من النساء اللائي فقدن عملهن مؤخراً ويعشن تحت خط الفقر أو على مسافة قريبة للغاية منه، إذ يصبحن أكثر اعتماداً على من يسيئون إليهن، في الأمان المالي والمأوى.
النساء العربيات يلتمسن الإحساس بالأمان في الصلاة
أثناء فترة انعدام اليقين واضطراب الأحوال هذه، يبدو أن النساء العربيات يلذن إلى الصلاة، في محاولة للتكيف مع مسببات الضغط والتوتر الصحية والاقتصادية والاجتماعية المتصلة بكوفيد-19. إجمالاً، زاد إقبال المواطنين عبر الدول المُستطلعة على الصلاة بشكل أكثر انتظاماً مقارنة بفترة ما قبل الجائحة: 17% في الأردن و21% في تونس و33% في المغرب و38% في الجزائر. لكن زادت نسبة إقبال النساء العربيات على الصلاة بشكل أكبر بكثير من الرجال العرب، إذ تبلغ الفجوة في النسبة 21 نقطة مئوية في الجزائر، و20 نقطة في المغرب و16 نقطة في تونس و13 نقطة في الأردن.
إعلاء أولوية حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين
كانت الآثار الاقتصادية والاجتماعية لكوفيد أشد وطأة على النساء مقارنة بالرجال في المنطقة. في واقع الأمر، فإن النتائج المؤسفة التي تواجهها النساء العربيات أثناء أزمة كوفيد مبعثها بالأساس أوجه اللامساواة بين الجنسين عميقة الجذور، والمعايير والقيم الاجتماعية التمييزية في المنطقة. إذن فمن الضروري أن تواجه الحكومات هذه الآثار بأن تُعلي أولوية دعم النساء وحمايتهن، بالتركيز على إعمال حقوق النساء والمساواة بين الجنسين. وإلا فسوف تستمر النساء العربيات في العيش في ظروف هشة، وهو الأمر الذي له تبعات وعواقب اجتماعية واقتصادية على عائلاتهن ومجتمعاتهن بشكل عام.