خلفية
في الدورة السادسة والأخيرة من الباروميتر العربي، طرحنا على 1000 من المواطنين اللبنانيين أسئلة على صلة بانفجار مرفأ بيروت والنظام السياسي اللبناني. يظهر من النتائج أن الأزمة الاقتصادية والفقر في لبنان لا يزالان على رأس هموم المواطن اللبناني، بدرجة تفوق آثار الانفجار. ورغم أن اللبنانيين يفضلون الدولة المدنية نظرياً، فهم مترددون في التنازل عن الامتيازات الطائفية أو تعريضها للخطر.
تواريخ إجراء الاستطلاع وعدد المجيبين
كتب د. مايكل روبنز التدوينة التالية، وفيها يسلط الضوء على بعض النتائج الأساسية.
قياس نبض لبنان بعد انفجار بيروت
لبنان دولة مأزومة على عدة جبهات. ففي خضم الأزمة السياسية والمالية القائمة، عانى لبنان أيضاً من آثار جائحة كوفيد العالمية على مدار عام 2020. فاقم من هذه التحديات الانفجار الهائل في مرفأ بيروت يوم 4 أغسطس/آب، الذي أسفر عن مئات الوفيات وتدمير واسع النطاق لحق ببنايات سكنية وتجارية في العاصمة.
ورغم رعب انفجار بيروت، يرى عدد قليل نسبياً من اللبنانيين أن هذه هي القضية الأكثر إلحاحاً التي تواجه البلاد. يقول 16 بالمئة فقط إن أولوية الحكومة الأساسية يجب أن تكون إعادة إعمار بيروت، في حين يقول 37 بالمئة إن الأولوية الأساسية يجب أن تكون خفض معدلات الفقر، ويرى 32 بالمئة أنها يجب أن تتركز في الإصلاحات المالية. حتى في بيروت نفسها، فإن شخص من كل 5 أشخاص (19 بالمئة) يقول إن إعادة إعمار المدينة هي القضية الأخطر، مقارنة بنحو النصف (48 بالمئة) يرون أن إصلاح القطاع المصرفي والمالي هو القضية التي لها الأولوية الرئيسية.
جزء من سبب هذا التركيز على قضايا أخرى بخلاف انفجار المرفأ قد يكون بواعث القلق الأكبر المتصلة بالنظام في لبنان. لدى سؤال المواطنين عن السبب الرئيسي وراء انفجار المرفأ، لام الثلثان الإهمال والفساد في المنظومة الحاكمة. بالمقارنة، يرى الخُمس لا أكثر أنه عمل إرهابي، في حين يقول 5 بالمئة أو أقل إنه حادث عارض وقع نتيجة المصادفة، أو من تدبير جهة محلية أو أجنبية.
ومن أجل فهم الأسباب الكاملة للانفجار، يفضل اللبنانيون اللجوء إلى الخبراء الدوليين المستقلين للتحقيق في الحادث لفهم أسبابه. إذ يعتقد 4 من كل 10 أشخاص (41 بالمئة) أن هذا هو أفضل خيار على مسار التحقيق في الأسباب، مقارنة بـ 28 بالمئة يقولون إن التحقيق يجب أن يجريه الجيش اللبناني، ويرى 18 بالمئة أن الأحزاب اللبنانية عليها الاضطلاع بالتحقيق. إضافة إلى المذكور، يرى شخص واحد من كل 10 أشخاص (11 بالمئة) أن التحقيق سيكون وببساطة بلا فائدة. يُلاحظ أن هناك اختلافات كبيرة هنا بحسب الهوية الطائفية. يقول 21 بالمئة فقط من الشيعة إنهم يفضلون وجود خبراء دوليين مستقلين، ربما جزء من السبب أن منطقة المرفأ يسيطر عليها إلى حد كبير حزب الله. وفي الوقت نفسه، فإن أكثر من نصف المسيحيين والسنة والدروز يفضلون إجراء التحقيق على يد خبراء دوليين مستقلين.
كما هو مُتوقع، كانت الآثار الرئيسية للانفجار مقتصرة على بيروت. إجمالاً، تقول نسبة تبلغ أقل من شخص من بين كل 10 لبنانيين إنهم خسروا وظائفهم، أو بيوتهم، أو أقارب لهم أو أصدقاء في الانفجار. لكن مستوى الدمار اللاحق جراء الانفجار في أوساط سكان بيروت أكبر بكثير. هناك 40 بالمئة من بيروت يقولون إنهم خسروا بيوتهم، والثلث (34 بالمئة) خسروا وظائفهم في أعقاب الانفجار، في حين فقد 15 بالمئة قريب أو صديق مقرّب لهم.
في مواجهة انفجار بيروت، قرر العديد من اللبنانيين التحرك. فعلى مستوى الدولة، اختار شخص واحد من كل 5 أشخاص (18 بالمئة) المشاركة في مظاهرة للمطالبة بالتغيير السياسي، وتطوع 15 بالمئة للمساعدة في جهود التنظيف، وتبرع 12 بالمئة بأموال لضحايا الانفجار. وفي بيروت نفسها، تطوع نصف (53 بالمئة) المواطنين للمشاركة في جهود التنظيف، وخرج 49 بالمئة إلى الشوارع للمطالبة بالتغيير السياسي.
من الواضح أن اللبنانيين وسكان بيروت بالأخصّ، يطالبون بالتغيير لمنع تكرر مثل هذا الحادث. لكن السؤال المطروح هو ما نوع التغيير المنشود. ثمة سؤال كبير هنا هو الدور الذي يجب أن تلعبه الطائفة في النظام السياسي. لدى طرح هذا السؤال، أعرب عُشر اللبنانيين عن تفضيل استمرار النظام الطائفي. وهناك أغلبية بسيطة (56 بالمئة) تقول إنها تفضل النظام المدني أو العلماني، مقابل 23 بالمئة يرغبون في نظام اتحادي يحفظ دور الطوائف الدينية المختلفة في البلاد. يجدر بالملاحظة أن الطائفة المسيحية في لبنان هي الأكثر دعماً للدولة المدنية العلمانية (72 بالمئة) مقارنة بأقل من النصف من السنة والشيعة.
لكن بينما قد تبدو الدولة غير الطائفية نظاماً جيداً، يحدو اللبنانيون القلق من خسارة بعض الامتيازات المتوفرة في النظام الحالي. لدى سؤالهم إن كانوا على استعداد للتنازل عن مناصب سياسية كانت تاريخياً مخصصة لأفراد من طائفتهم، قال نصف اللبنانيين تقريباً (47 بالمئة): لا. يقول 31 بالمئة فحسب “نعم” في حين اختار 23 بالمئة “ربما” أو “غير متأكد”. الشيعة تحديداً حذرون بصفة خاصة من التخلي عن المناصب المخصصة للطائفة، مع قول 59 بالمئة “لا”، وإن كان اختيار “لا” هو الاختيار الذي أقبلت عليه أعداد كبيرة أو الأغلبية من الطوائف الكبرى كافة.
في المُجمل، تُظهر نتائج هذا الاستطلاع أن الآراء حول انفجار المرفأ تتمحور في كونه من مظاهر فشل النظام السياسي الحالي في لبنان. ونظراً للإخفاقات الأخرى العديدة على مدار السنوات الأخيرة، يطالب اللبنانيون بالتغيير، إذ خرجت نسب كبيرة إلى الشوارع للمطالبة بالإصلاح. وعلى الرغم من أن إبرام عقد اجتماعي جديد مسألة مرغوبة؛ إذ تفضل الأغلبية نظاماً لا يدور حول الهوية الطائفية، فهناك قلق لدى المواطنين إزاء خسارة الامتيازات القائمة بناء على هذه المنظومة. رغم أن الإصلاح مرغوب بشدة وهناك حاجة ماسة إليه، فمن الواضح أنه لا توجد رؤية مقبولة لكافة اللبنانيين. دون الإجماع، من المرجح أن تستمر حالة الجمود القائمة.