تونس – إشعارات على مدار الساعة وأفارقة وتونسيون في مرمى العنصرية

تحولت الأزمة المرتبطة بمهاجري دول أفريقيا جنوبي الصحراء في تونس إلى كرة ثلج مع توالي التداعيات وآثارها التي طالت المواطنين التونسيين من ذوي البشرة السوداء، وسط إجراءات رسمية وصفت بغير الكافية لاحتواء تلك التداعيات.

تقضي سعدية مصباح، الناشطة التونسية الأشهر في مجال مكافحة العنصرية ضد السود، أغلب ساعات النهار في التنقل بين الأحياء والضواحي لرصد الاعتداءات التي يتعرض لها المواطنون التونسيون أو المنحدرون من دول أفريقيا جنوبي الصحراء، بعد أن تكون تلقت بمقر جمعيتها “منامتي” إشعارات بانتهاكات.

وأصبح الأمر أكثر ضغطا بعد الخطاب، الذي ألقاه الرئيس قيس سعيد حول تشديد القيود على المهاجرين ممن لا يملكون أوراقا ثبوتية رسمية، وفق ما تقوله الناشطة، وهي لا تتوقع أن يقف سيل التداعيات عند هذا الحد.

وفي شهادته لـDW عربية قال الطالب ايريك فرانسوا، القادم من الكونغو الديمقراطية لدراسة “الإعلام والاتصال”، إن  أعمال العنف مستمرة  لا سيما بجهة أريانة، قرب العاصمة. ولتأمين نفسه يفضل ألّا يغادر مقر سكنه بعد الساعة الخامسة مساء.

وقال مواطنه فرانسوا فامبا، الذي يزاول سنته الجامعية الثالثة في “إدارة الأعمال”، إن الأمر وعلى مدار أيام تحول إلى ما يشبه “حجرا صحيا” حيث لا يغادر هو ومواطنوه سكنهم منذ خطاب الرئيس سعيد. ويوضح فامبا في حديثه مع DW عربية “شاهدنا مقاطع فيديو تحض على العنف والكراهية. لم نشاهد هذا من قبل ولكن البعض تلقف بطريقة سيئة خطاب الرئيس ونفذوا أعمال عنف. أنا بقيت في المنزل ولكن صديقين لي تعرضا للضرب”.

إشعارات بانتهاكات

تحولت صالة الجلوس في مقر سكن سعدية، حيث تنتشر على جدرانها الشعارات الداعية للتسامح ونبذ العنصرية، إلى غرفة عمليات تتلقى الإشعارات على مدار الساعة، ولكن وبشكل مفارق كانت سعدية نفسها هدفا لاستفزازات تمييزية متتالية منذ اندلاع الأزمة. وتروي صدمتها لـDW عربية قائلة: “لم أتوقع أن يحصل هذا لي في المنطقة التي أسكن بها. تعرضت إلى خطاب أكثر حدة وتلميحات عنصرية في المغازة التجارية بجهة باردو. وتكرر الأمر في محطات البنزين”.

ومثل سعدية أُخِذ كثير من التونسيين من ذوي البشرة السوداء بجريرة الأزمة المتفاقمة ضد مهاجري أفريقيا جنوبي الصحراء، وهو ما تشير له الناشطة المخضرمة في شهادتها حيث تروي بأسف: “في اليوم التالي من خطاب الرئيس. تلقيت إشعارا من الناشطة فاطمة الزهراء اللطيفي، وهي مديرة جمعية تعرضت لتعنيف عنصري بوسط العاصمة”.

تصدرت الجمعيات المناهضة للتمييز العنصري بتونس ولا سيما المناضلة ضد الانتهاكات الموجهة للسود، المشهد على مواقع التواصل الاجتماعي في تونس إثر الضجة التي أحدثها خطاب سعيد. وبجانب جمعية “منامتي” احتجت جمعية “صوت النساء التونسيات السوداوات” ضد الممارسات التي طالت المهاجرين وقالت إن رئاسة الجمهورية ومن خلال “الخطاب التحريضي” لا تقدر المخاطر والجرائم التي سيكون الأفارقة جنوبي الصحراء ضحاياها بل وحتى التونسيين السود والتونسيات السوداوات”.

لم يتأخر الأمر كثيرا عما توقعته المنظمة، إذ قالت الناشطة في الجمعية والمذيعة غفران بينوس، التي تحظى بمتابعة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، إنها تعرضت لحملة من الشتائم والسباب تطالبها بالرحيل مع الأفارقة السود من تونس.

بدأت الحملة بعد أن وجهت بينوس انتقادات لاذعة للرئيس سعيد ودعته في تدوينة إلى تقديم خطاب اعتذار صريح للمهاجرين  وملاحقة “الفاشيين” قضائيا والتخلي عن الخط الشعبوي، إذا ما أراد تصحيح الوضع.

وفي تدوينتها علقت بينوس ساخرة أنها لا تستبعد قرار ترحيل من السلطات؛ إذا ما تم إيقافها من الأمن في الشارع وهي لا تحمل أي وثائق رسمية. وأردفت في ردها على من وجهوا لها الشتائم “إذا طلبوا ترحيلي سيكون شرفا لي وهو أفضل من البقاء وتنفس الهواء ذاته معكم”.

بينوس لم تكن وحدها من المواطنين التونسيين السود، الذين بادروا بتقديم الدعم للمهاجرين من دول أفريقيا جنوبي الصحراء، إذ تحرك أيضا لاعب كرة القدم التونسي السابق راضي الجعايدي عبر رسالة دعم على تطبيق إنستغرام دوّن فيها “أنا أفريقي ليس فقط لأني ولدت في أفريقيا ولكن لأن أفريقيا ولدت فيّ”.

وتحركت أيضا منظمات لتقديم الدعم والمساندة للمهاجرين والتنديد بالممارسات العنصرية، إذ دعت “المنظمة التونسية للأطباء الشبان” الأطباء إلى التطوع لتوفير الإحاطة الطبية والنفسية للمهاجرين المنحدرين من أفريقيا جنوب الصحراء كما نشرت أرقاما على صفحتها بموقع فيسبوك، للتبليغ عن أي انتهاكات يتعرض لها هؤلاء في المستشفيات أو من المعتدين من تجار البشر.

وفي قطاع التعليم الجامعي الخاص الذي يستقطب الآلاف من الطلبة الأفارقة جنوبي الصحراء، قاد مدير جامعة “تايم” حملة تضامن على الأرض لتقديم الدعم المادي والنفسي في حملة شملت عدة أحياء حيث يقطن الطلبة من تلك الدول. وتحدث المدير التنفيذي للجامعة نضال دمق بحماس لـDW فقال: “تونس ليست للتونسيين فقط. هي للجميع، هي بلد وجهة وبلد عبور ولجوء”.

لكن مشاعر دمق وغيره من نشطاء المجتمع المدني وضعت على المحك فيما يرتبط بحقيقة التسامح في تونس.

موروث داخل قمقم

ولأن الأزمة تجر الأخرى؛ فقد ألقت القضية المرتبطة بمهاجري دول أفريقيا جنوبي الصحراء، الضوء على ملف طالما كان بمثابة “التابو” بتونس على مدار عقود طويلة ويواجه في كثير من الأحيان بإنكار رسمي على عكس الأرقام التي تشير إلى حقائق مغايرة ومقلقة.

تشير نتائج المسح الخاص بـ”البارومتر العربي” حول التمييز العنصري ضد السود، الذي أجري في عشر دول عربية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين 2021 و2022، إلى أن 80 بالمئة من المستجوبين في تونس يقرون بوجود تمييز ضد الأقلية ذات البشرة السوداء و63 بالمئة يعتبرون أن هذا التمييز يمثل مشكلة إلى حد كبير أو متوسط.

يمكن قراءة المقال الكامل على موقع دويتشه فيله